للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَحْلِبُ مَا ضَرَّ وَلَدَهَا

وَمَا لَا رُوحَ لَهُ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا.

ــ

[مغني المحتاج]

نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي ذَبْحِ الْمَأْكُولِ، فَقَدْ قَالُوا فِي التَّيَمُّمِ: إنَّهُ يَذْبَحُ شَاتَهُ لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ، فَإِذَا كَانَ يَذْبَحُ لِنَفْسِ الْكَلْبِ، فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لِيَأْكُلَ وَيُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِ. نَعَمْ إنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِلْمَأْكُولِ لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ كَأَنْ كَانَ جَمَلًا وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ مَتَى ذَبَحَهُ انْقَطَعَ فِيهَا.

تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ غَصْبُ الْعَلَفِ لِلدَّابَّةِ، وَغَصْبُ الْخَيْطِ لِجِرَاحَتِهَا، وَلَكِنْ بِالْبَدَلِ إنْ تَعَيَّنَا وَلَمْ يُبَاعَا كَمَا يَجِبُ سَقْيُهَا الْمَاءَ، وَالْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ، وَيَجُوزُ تَكْلِيفُهَا عَلَى الدَّوَامِ مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ.

(وَلَا يَحْلِبُ) الْمَالِكُ مِنْ لَبَنِ دَابَّتِهِ: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِبَ (مَا ضَرَّ وَلَدَهَا) لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ لِأَنَّهُ كَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَإِنَّمَا يَحْلِبُ مَا فَضَلَ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيَعْنِي بِالرِّيِّ مَا يُقِيمُهُ حَتَّى لَا يَمُوتَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ الِاكْتِفَاءُ بِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا التَّوَقُّفُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إلَى لَبَنِ غَيْرِ أُمِّهِ إنْ اسْتَمْرَأَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ بِلَبَنِ أُمِّهِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَلْبُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ لِقِلَّةِ عَلَفِهَا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَلَا تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا إذَا كَانَ يَضُرُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهَا كُرِهَ تَرْكُهُ لِلْإِضَاعَةِ. فُرُوعٌ: يُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ فِي الْحَلْبِ، بَلْ يَدَعُ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا، وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَفَاحَشَ طُولُ الْأَظْفَارِ وَكَانَ يُؤْذِيهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْبُهَا مَا لَمْ يَقُصَّ مَا يُؤْذِيهَا، وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا حَلْقُهُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ، وَلَا يُنَافِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي حُرْمَتِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلْبِسَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ مَا يَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا.

(وَمَا لَا رُوحَ لَهُ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ) عَلَى مَالِكِهَا الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (عِمَارَتُهَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَنَاةِ وَالدَّارِ، فَإِنْ ذَلِكَ تَنْمِيَةً لِلْمَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ فَيُكْرَهُ، هَكَذَا عَلَّلَ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إضَاعَةِ الْمَالِ، لَكِنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِتَحْرِيمِهَا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ بِلَا خَوْفٍ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ، وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا تَرْكَ أَعْمَالٍ تَشُقُّ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ تَرْكُ سَقْيِ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ بِتَوَافُقِ الْمُعَانِدِينَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَرَاتٌ تَفِي بِمُؤْنَةِ سَقْيِهَا، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا، قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ السَّقْيِ تَجْفِيفَ الْأَشْجَارِ لِأَجْلِ قَطْعِهَا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْوَقُودِ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا. أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إصْلَاحُ زَرْعِهِ بِسَقْيٍ وَغَيْرِهِ وَعِمَارَةُ دَارِهِ وَيَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْأَوْقَافِ حِفْظُ رِقَابِهَا وَمُسْتَغِلَّاتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>