للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ، وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ فَعَمْدٌ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ.

وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ، فَلَوْ شَهِدَا

ــ

[مغني المحتاج]

اهـ.

وَهُوَ بَحْثٌ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ. أَمَّا الرَّقِيقُ فَيُضْمَنُ بِالْيَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ رَاعَاهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَمْ لَا كَمَا قَالَاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَاتَ الْمَحْبُوسُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ) " الْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ " بِدَلِيلِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ (سَابِقٌ) عَلَى الْمَنْعِ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ كَانَ) بِهِ (بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ) الْوَاوُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَوْ (وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ) وَكَانَتْ مُدَّةُ حَبْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ أُضِيفَتْ لِمُدَّةِ جُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ السَّابِقِ بَلَغَتْ الْمُدَّةُ الْقَاتِلَةَ (فَعَمْدٌ) لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٍ سَابِقٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ اهـ.

وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَابِسُ الْحَالَ (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ، وَلَا أَتَى بِمَا هُوَ مُهْلِكٌ: كَمَا لَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَسَقَطَ عَلَى سِكِّينٍ وَرَاءَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ. وَالثَّانِي هُوَ عَمْدٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ: كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْمَرِيضَ ضَرْبًا يُهْلِكُهُ وَلَا يُهْلِكُ الصَّحِيحَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِمَرَضِهِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَرَضِ فَيُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ، وَالْجُوعُ مِنْ جِنْسِ الْجُوعِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ ضَعُفَ مِنْ الْجُوعِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ نِصْفِ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ وُجُوبَ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ كَامِلَةٍ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِالْجَوْعَيْنِ أَوْ الْعَطَشَيْنِ وَاَلَّذِي مِنْهُ أَحَدُهُمَا.

وَمَسْأَلَةُ الْحَبْسِ مِنْ السَّبَبِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ) كَالْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّ مَا لَهُ دَخْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ فِي الزُّهُوقِ: إمَّا مُبَاشَرَةٌ، وَهِيَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَيُحَصِّلُهُ كَالْجُرْحِ السَّابِقِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ، وَإِمَّا شَرْطٌ وَهُوَ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ كَالْحَفْرِ مَعَ التَّرَدِّي فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْحُفْرَةِ، وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا وَمُصَادَمَتُهَا، لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا. وَمِثْلُهُ الْإِمْسَاكُ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِمَّا سَبَبٌ وَهُوَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ. وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْصِدَ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ قَصَدَهُ بِالْفِعْلِ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ فَهُوَ السَّبَبُ كَالشَّهَادَةِ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ الشَّرْطُ. وَالسَّبَبُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ شَرْعِيٌّ كَالشَّهَادَةِ وَيُقْتَصُّ مِنْ شُهُودِ الزُّورِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي. وَالثَّانِي عُرْفِيٌّ كَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ لِمَنْ يَأْكُلُهُ وَسَيَأْتِي. وَالثَّالِثُ حِسِّيٌّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (فَلَوْ شَهِدَا) أَيْ رَجُلَانِ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ قَاضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>