وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ فِي الْأَظْهَرِ يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ، وَقِيلَ الْإِمَامُ، فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَةٍ، وَقِيلَ أَرْشُهُ، وَقِيلَ هَدَرٌ.
وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ، وَقِيلَ إنْ قَصُرَتْ الرِّدَّةُ وَجَبَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا، وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ
ــ
[مغني المحتاج]
كَانَ جَارِحُهُ مُرْتَدًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ (وَ) لَكِنْ (يَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْمُوضِحَةِ وَقَطْعِ الطَّرَفِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ مُنْفَرِدٌ عَنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْرِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ صَارَتْ نَفْسًا وَهِيَ مُهْدَرَةٌ، فَكَذَا الطَّرَفُ وَاحْتُرِزَ بِالسِّرَايَةِ عَمَّا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَانْدَمَلَتْ يَدُهُ فَلَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ (يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ نَاقِصًا انْتَظَرُوا كَمَالَهُ لِيَسْتَوْفِيَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوَارِثِ لَوْلَا الرِّدَّةُ بَدَلَ الْقَرِيبِ الشَّامِلِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لَكَانَ أَوْلَى (وَقِيلَ) وَنَسَبَهُ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ لِلْأَكْثَرِ يَسْتَوْفِيهِ (الْإِمَامُ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ كَمَا يَسْتَوْفِي قِصَاصَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ قَرِيبُهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ فِيمَا إذَا اقْتَضَى الْجُرْحُ قِصَاصًا كَمَا مَرَّ (فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ) لِلْمُرْتَدِّ (مَالًا) كَهَاشِمَةٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ خَطَأً (وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ) أَيْ الْجُرْحِ (وَدِيَةً) لِلنَّفْسِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ كَجَائِفَةٍ لَمْ يَزِدْ بِالسِّرَايَةِ فِي الرِّدَّةِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ النَّفْسِ أَقَلَّ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُسْلِمًا بِالسِّرَايَةِ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا فَهَهُنَا أَوْلَى (وَقِيلَ) وَجَبَ (أَرْشُهُ) بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الدِّيَةِ فَفِي قَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ دِيَتَانِ.
تَنْبِيهٌ: الْوَاجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَيْءٌ لَا يَأْخُذُ الْوَارِثُ مِنْهُ شَيْئًا (وَقِيلَ) هَذَا الْجُرْحُ (هَدَرٌ) ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ إذَا سَرَتْ صَارَتْ قَتْلًا وَصَارَتْ الْأَطْرَافُ تَابِعَةً لِلنَّفْسِ وَالنَّفْسُ مُهْدَرَةٌ فَكَذَلِكَ مَا يَتْبَعُهَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا طَرَأَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الْجُرْحِ، فَلَوْ طَرَأَتْ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ فَلَا ضَمَانَ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ كَانَ مُرْتَدًّا.
(وَلَوْ ارْتَدَّ) الْمَجْرُوحُ (ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ) فِي الْأَصَحِّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ لَوْ مَاتَ فِيهَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقِصَاصِ (وَقِيلَ) وَهُوَ قَوْلٌ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ (إنْ قَصُرَتْ الرِّدَّةُ) أَيْ زَمَنُهَا بِأَنْ لَمْ يَمْضِ فِي الرِّدَّةِ زَمَنٌ يَسْرِي فِيهِ الْجُرْحُ (وَجَبَ) الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهَا إذَا قَصُرَتْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا أَثَرُ السِّرَايَةِ، فَإِنْ طَالَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا (وَتَجِبُ) عَلَى الْأَوَّلِ (الدِّيَةُ) بِكَمَالِهَا فِي مَالِهِ لِوُقُوعِ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ فِي حَالَةِ الْعِصْمَةِ (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا) تَوْزِيعًا عَلَى حَالَتَيْ الْعِصْمَةِ وَالْإِهْدَارِ، وَفِي ثَالِثٍ ثُلُثَاهَا تَوْزِيعًا عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ حَالَتَيْ الْعِصْمَةِ وَحَالَةِ الْإِهْدَارِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَإِلَّا فَيُقْطَعُ بِكَمَالِهَا (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute