للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ وَزَعَمَ سِرَايَةً، وَالْوَلِيُّ انْدِمَالًا مُمْكِنًا أَوْ سَبَبًا فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ.

وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَزَعَمَ سَبَبًا وَالْوَلِيُّ سِرَايَةً.

ــ

[مغني المحتاج]

فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قَدِّ الْمَلْفُوفِ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَاسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الْمَلْفُوفِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْجَانِيَ ثَمَّ لَمْ يَعْتَرِفْ بِبَدَلٍ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَا، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْجَانِيَ احْتَاجَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إلَى بَيِّنَةٍ بِالسَّلَامَةِ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي قَوْلُ الشُّهُودِ كَانَ صَحِيحًا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَرُّضُهُمْ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ بِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ بِرُؤْيَةِ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَسَلَامَةِ الْبَصَرِ بِرُؤْيَةِ تَوَقِّيهِ الْمَهَالِكَ وَإِطَالَةِ تَأَمُّلِهِ لِمَا يَرَاهُ بِخِلَافِ التَّأَمُّلِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الْأَعْمَى، وَلَوْ قَطَعَ شَخْصٌ كَفَّ آخَرَ مَثَلًا وَاخْتَلَفَا فِي نَقْصِ أُصْبُعٍ صُدِّقَ مُنْكِرُ الْوُجُودِ بِيَمِينِهِ.

(أَوْ) قَطَعَ (يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (وَزَعَمَ) الْجَانِي (سِرَايَةً) أَيْ أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ، أَوْ قَالَ: قَتَلْتُهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَ) زَعَمَ (الْوَلِيُّ انْدِمَالًا مُمْكِنًا) قَبْلَ مَوْتِهِ (أَوْ) زَعَمَ (سَبَبًا) آخَرَ لِلْمَوْتِ عَيَّنَهُ كَقَوْلِهِ: قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ آخَرُ (فَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السِّرَايَةِ، وَلِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ فَتَجِبُ دِيَتَانِ وَالثَّانِي تَصْدِيقُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاحْتَرَزَ بِمُمْكِنٍ عَمَّا لَا يُمْكِنُ لِقِصَرِ زَمَنِهِ كَقَوْلِهِ: انْدَمَلَ الْجُرْحُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُصَدَّقُ الْجَانِي فِي قَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَلِيُّ السَّبَبَ فَيُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ الِانْدِمَالُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ صُدِّقَ الْجَانِي أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ بِقَتْلِهِ.

قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: بِيَمِينِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ فِي دَعْوَى قَتْلِهِ، أَمَّا فِي دَعْوَى السِّرَايَةِ فَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْجَانِي: أَنْتَ قَتَلْتَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْكَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ: قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ دِيَةٌ وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَسَقَطَتْ الثَّالِثَةُ بِحَلِفِ الْجَانِي، فَحَلِفُهُ أَفَادَ سُقُوطَهَا، وَحَلِفُ الْوَلِيِّ أَفَادَ دَفْعَ النَّقْصِ عَنْ دِيَتَيْنِ فَلَا يُوجِبُ زِيَادَةً، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ حَلَفَ الْجَانِي عَمَلًا بِالظَّاهِرِ.

(وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ) وَمَاتَ (وَزَعَمَ) الْجَانِي (سَبَبًا) آخَرَ لِلْمَوْتِ غَيْرَ الْقَطْعِ كَشُرْبِ سُمٍّ مُوَحٍّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي يَقْتُلُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا نِصْفُ دِيَةٍ (وَ) زَعَمَ (الْوَلِيُّ سِرَايَةً) مِنْ قَطْعِ الْجَانِي فَعَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ الْجَانِي السَّبَبَ أَمْ أَبْهَمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ، وَقُدِّمَ هَذَا الْأَصْلُ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا مِنْ تَصْحِيحِ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ تَصْدِيقُ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ.

أُجِيبَ بِأَنَّا إنَّمَا صَدَّقْنَا الْوَلِيَّ ثَمَّ مَعَ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ قَدْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ ظَاهِرًا بِدِيَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ الْمُسْقِطِ لِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ السِّرَايَةُ فَكَانَتْ الْإِحَالَةُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ أَقْوَى، إذْ دَعْوَاهُ قَدْ اُعْتُضِدَتْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ شَغْلُ ذِمَّةِ الْجَانِي، وَإِنْ عَادَ الْجَانِي بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ فَقَتَلَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ حَتَّى تَلْزَمَهُ دِيَةٌ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ دِيَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>