وَالْمُبَذِّرُ فِي الدِّيَةِ كَمُفْلِسٍ، وَقِيلَ كَصَبِيٍّ.
وَلَوْ تَصَالَحَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ،
وَلَوْ قَالَ رَشِيدٌ: اقْطَعْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمُوسِرٍ، وَبِمُفْلِسٍ عَنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَلْبِ عِبَارَتِهِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَعَفْوُهُمَا لَغْوٌ (وَالْمُبَذِّرُ) بِمُعْجَمَةٍ حُكْمُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِالتَّبْذِيرِ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ وَاسْتِيفَائِهِ كَرَشِيدٍ، وَعَنْهُمَا اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ (فِي الدِّيَةِ) فَهُوَ فِيهَا (كَمُفْلِسٍ) أَيْ كَمَحْجُورِ فَلَسٍ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي صُورَتَيْ عَفْوِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَقِيلَ) الْمُبَذِّرُ (كَصَبِيٍّ) فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ بِحَالٍ، وَهَذَا مَا قَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي السِّيَرِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَنْ الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ، أَمَّا مَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ثَانِيًا فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالرَّشِيدِ، وَلَوْ كَانَ السَّفِيهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَصَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ نَفَذَ وَلَا حَجْرَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْجِزْيَةِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لَا يَعْفُو إلَّا بِزِيَادَةٍ وَلَمْ يُجِبْ السَّفِيهُ وَأَجَابَ الْوَلِيُّ. قَالَ الْإِمَامُ: اتَّبِعْ رَأْيَ مَنْ يَرْغَبُ فِي الْحَقْنِ.
فَرْعٌ: عَفْوُ الْمُكَاتَبِ عَنْ الدِّيَةِ تَبَرُّعٌ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَبِإِذْنِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ.
(وَلَوْ تَصَالَحَا) أَيْ الْوَلِيُّ وَالْجَانِي (عَنْ الْقَوَدِ عَلَى) أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى (مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا) هَذَا الصُّلْحُ (إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا) لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الصُّلْحِ مِنْ مِائَةٍ عَلَى مِائَتَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَيْنًا وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عَنْهُ (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) لِأَنَّهُ مَالٌ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْتِزَامِ الْجَانِي فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ كَبَدَلِ الْخُلْعِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ خَلَفُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى إبِلٍ بِالصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ صِفَتِهَا إمَّا مُعَيَّنَةٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ فِيهَا بِالصِّحَّةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ جَزَمَ فِي آخِرِ الْبَابِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ بِالْجَوَازِ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَلَوْ زَادَ عَلَى الدِّيَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَوْ تَصَالَحَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي.
(وَلَوْ قَالَ) حُرٌّ مُكَلَّفٌ (رَشِيدٌ) أَوْ سَفِيهٌ لِآخَرَ (اقْطَعْنِي) أَيْ يَدِي مَثَلًا (فَفَعَلَ فَهَدَرٌ) لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ لِلْإِذْنِ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ السَّفِيهَ لَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ كَالرَّشِيدِ. الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ إذْنَ الرَّقِيقِ يُسْقِطُ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ مَعَ أَنَّ إذْنَهُ لَا يُسْقِطُهُ، وَفِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِإِذْنِهِ وَجْهَانِ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِمَا مَعَ تَرْجِيحِ الْبُلْقِينِيُّ السُّقُوطَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ: الْمَالِكُ لِأَمْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرُّ الْكَامِلُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَحْجُورًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute