للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَعَامِدًا وَمُخْطِئًا

ــ

[مغني المحتاج]

تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] [النِّسَاءُ] وَخَبَرِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ «أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ.

وَخَرَجَ بِالْقَتْلِ الْأَطْرَافُ وَالْجُرُوحُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ، بَلْ تَجِبُ (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا بِحَالٍ، فَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخَانِ بِهِ الْمَجْنُونَ فِي هَذَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ لَا يَبْطُلُ بِطَرَيَانِ جُنُونِهِ، وَإِلَّا لَمْ تُتَصَوَّرْ الْمَسْأَلَةُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ وَكَأَنَّهُ مَلَكَهَا ثُمَّ نَابَ عَنْهُمَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَيِّمًا أَوْ وَصِيًّا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبَلَ الْقَاضِي لَهُمَا التَّمْلِيكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَقَالَا فِي بَابِ الصَّدَاقِ: لَوْ لَزِمَ الصَّبِيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَلَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِعْتَاقَهُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ عَبْدِ الطِّفْلِ، وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ عِتْقُ التَّبَرُّعِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ حُكْمِ السَّفِيهِ، وَذَكَرَا فِي بَابِ الْحَجْرِ أَنَّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْعَبْدِ، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ كَذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِوُجُوبِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجِبُ (وَ) إنْ كَانَ الْقَاتِلُ (عَبْدًا) كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ، لَكِنْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ (وَذِمِّيًّا) لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا، وَقُلْنَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ أَوَّلًا (أَوْ ذِمِّيًّا) وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي صُوَرٍ: مِنْهَا أَنْ يُسْلِمَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَرِثَهُ أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إعْتَاقُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: لَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْخَطَأُ بَلْ تَجِبُ (وَ) إنْ كَانَ الْقَاتِلُ (عَامِدًا) لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ فِيهِ فِي صَاحِبٍ لَنَا اسْتَوْجَبَ النَّارَ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلْجَبْرِ وَالْعَامِدُ أَحْوَجُ إلَيْهَا، وَمِثْلُهُ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: عَامِدًا أَوْ لَا دَخَلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا قِيَاسٌ (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ (مُخْطِئًا) فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِإِذْنِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ اقْتَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>