وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى، وَلَوْ مَاتَ لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ عَلَى الصَّحِيحِ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ إمَّا ابْتِدَاءً حَيْثُ لَا لَوْثَ أَوْ عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعِي مَعَ اللَّوْثِ لَا يُسَمَّى قَسَامَةً فَإِنَّهَا عِنْدَنَا الْأَيْمَانُ الَّتِي يَحْلِفُهَا الْمُدَّعِي، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَحَلَفَ لَا يُسَمَّى قَسَامَةً أَيْضًا كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلَامَهُ، وَقَيَّدْتُ الْمُدَّعِي أَيْضًا بِكَوْنِهِ وَارِثًا احْتِرَازًا عَنْ صُورَةٍ هِيَ مَا لَوْ أَوْصَى لِلْمُسْتَوْلَدَةِ سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ وَمَاتَ السَّيِّدُ فَلَهَا الدَّعْوَى عَلَى النَّصِّ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقْسِمَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقْسِمُ هُوَ الْوَارِثُ، وَقَوْلُهُ عَلَى قَتْلٍ. أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْجَنِينَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى قَتِيلًا، إذْ لَمْ يُتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْعَهُ التَّهَيُّؤَ لِلْحَيَاةِ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَدَّ الْمَلْفُوفِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ حَالَةَ الْقَتْلِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَحَقُّقُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَذِّرَ الْمُدَّعِيَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] [آلَ عِمْرَانَ] الْآيَةَ، وَيُعَرِّفَهُ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَالْقَوْلَ فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ زَمَانًا وَمَكَانَا وَلَفْظُهُ فِيهِ مَا سَبَقَهُ فِي اللِّعَانِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُؤَخَّرٌ إلَى الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ (وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا) أَيْ الْأَيْمَانِ، فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي خَمْسِينَ يَمِينًا فِي خَمْسِينَ يَوْمًا صَحَّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَجِ وَالْحُجَجُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ.
وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ لِأَنَّ لِلْمُوَالَاةِ أَثَرًا فِي الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ فِي اللِّعَانِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اللِّعَانَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ الْبَدَنِيَّةُ وَيَخْتَلُّ بِهِ النَّسَبُ وَتَشِيعُ الْفَاحِشَةُ (وَلَوْ تَخَلَّلَهَا) أَيْ الْأَيْمَانَ (جُنُونٌ) مِنْ الْحَالِفِ (أَوْ إغْمَاءٌ) مِنْهُ (بَنَى) إذَا أَفَاقَ عَلَى مَا مَضَى وَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ. أَمَّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فَلِقِيَامِ الْعُذْرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي: بَلْ يَسْتَأْنِفُ إلَّا إنْ عَادَ الْمَعْزُولُ فَيَبْنِي الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ فِيمَا إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا بِمَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَبِمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَعُزِلَ الْقَاضِي وَوَلِيَ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ (وَلَوْ مَاتَ) الْوَلِيُّ الْمُقْسِمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ (لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ) بَلْ يَسْتَأْنِفُ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ. ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ، وَلَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّتْ الْيَمِينُ إلَيْهَا قَدْ يُحْكَمُ بِهِمَا بِخِلَافِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ لَا اسْتِقْلَالَ لِبَعْضِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ لَا يُحْكَمُ بِهِمَا، وَالثَّانِي يَبْنِي لِأَنَّا إذَا كُنَّا نَبْنِي يَمِينَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ فِي تَوْزِيعِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ فَبِنَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute