وَمَنْ اسْتَحَقَّ الدَّمِ أَقْسَمَ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِقَتْلِ عَبْدِهِ، وَمَنْ ارْتَدَّ فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ، فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
ضَابِطَ مَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي قَوْلِهِ (وَ) كُلُّ (مَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ) مِنْ سَيِّدٍ أَوْ وَارِثٍ (أَقْسَمَ) سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا عَدْلًا أَمْ فَاسِقًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْ غَيْرَهُ (وَلَوْ) هُوَ (مُكَاتَبٌ لِقَتْلِ عَبْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِهِ، وَلَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ يُقْسِمُ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَخَذَ السَّيِّدُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَوْ قَبْلَهُ وَقَبْلَ نُكُولِهِ حَلَفَ السَّيِّدُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِمَنْ اسْتَحَقَّ إلَخْ عَمَّا لَوْ جَرَحَ شَخْصٌ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِوَلِيِّهِ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهَا، بَلْ هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِقَوْلِنَا: مِنْ سَيِّدٍ أَوْ وَارِثٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ أَوْصَى السَّيِّدُ لِمُسْتَوْلَدَتِهِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ تَسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُقْسِمُ بَلْ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقَتْلِ كَانَ لِلسَّيِّدِ، وَالْقَسَامَةُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْقَتْلِ فَيَرِثُهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ صَرَفَهَا إلَى الْمُسْتَوْلَدَةِ بِمُوجِبِ وَصِيَّتِهِ، وَتَحْقِيقِ مُرَادِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَهُ (وَمَنْ ارْتَدَّ) بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ يَرْتَدَّ وَلِيُّهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ (فَالْأَفْضَلُ) وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: فَالْأَوْلَى، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (تَأْخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ عَنْ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَقْسَمَ. أَمَّا إذَا ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا يُقْسِمُ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ وَارْتَدَّ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ (فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ) أَقْسَامُهُ وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَدَّ بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ صَحِيحَةٌ، وَالْقَسَامَةُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الرِّدَّةُ كَالِاحْتِطَابِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ الْمُزَنِيِّ، وَحَكَى قَوْلًا مُخَرَّجًا وَمَنْصُوصًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي الرِّدَّةِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ اُعْتُدَّ بِهِ قَطْعًا، وَلَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَأَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُقْسِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) خَاصٌّ (لَا قَسَامَةَ فِيهِ) وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ لِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ دِيَتَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْلِيفَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لَكِنْ يُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ نُسِبَ الْقَتْلُ إلَيْهِ وَيُحَلِّفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَادَّعَى الْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَهُوَ أَوْجَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute