للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا.

ــ

[مغني المحتاج]

فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: زَنَيْتُ بِفُلَانَةَ فَأَنْكَرَتْ. وَقَالَتْ: كَانَ تَزَوَّجَنِي فَمُقِرٌّ بِالزِّنَا وَقَاذِفٌ لَهَا فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ رَجَعَ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا وَحْدَهُ، وَإِنْ زَنَيْتُ بِهَا مُكْرَهَةً لَزِمَهُ حَدُّ الزِّنَا لَا الْقَذْفُ وَلَزِمَهُ لَهَا مَهْرٌ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ سَقَطَ الْحَدُّ لَا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَكَذَّبَهُمْ لَمْ يُقْبَلْ تَكْذِيبُهُ، لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ هَلْ يُحَدُّ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُحَدُّ لِبَقَاءِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ فَرَدَّ أَرْبَعَةً، وَثَانِيهِمَا لَا إذْ لَا أَثَرَ لِلْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ. وَقَدْ بَطَلَ وَنَقَلَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ وَفِي عَكْسِهْ. وَقَالَ: الْأَصَحُّ عِنْدِي اعْتِبَارُ أَسْبَقِهِمَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْبَيِّنَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي هَذَا الْبَابِ أَقْوَى كَمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْمَالِ أَقْوَى، إلَّا إذَا أُسْنِدَ الْحُكْمُ لِلْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ، قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَتْ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ سُقُوطِ الْحَدِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ وَلَا الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى مَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ فِي السَّرِقَةِ مِمَّا يُخَالِفُهُ مَرْدُودٌ، الثَّانِيَة: الْإِسْلَامُ فَإِذَا ثَبَتَ زِنَا الذِّمِّيِّ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ: كَمَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ آخِرَ السِّيَرِ.

(وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ بِالزِّنَا (لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ) مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ (فَلَا) يَسْقُطُ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِقْرَارِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ، وَلَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَلَا يُتْبَعُ، فَإِنْ رَجَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا حُدَّ، وَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ شَيْئًا، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِإِشْعَارِهِ بِالرُّجُوعِ.

تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ حَيَاةُ الشُّهُودِ وَلَا حُضُورُهُمْ حَالَةَ الْحُكْمِ، وَلَا قُرْبَ عَهْدِ الزِّنَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُسْقِطِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا.

شَرَعَ فِي مُسْقِطِ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ: (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ) مِنْ الرِّجَالِ (بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ) أَوْ رَجُلَانِ، كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. (أَنَّهَا عَذْرَاءُ) بِمُعْجَمَةٍ: أَيْ: بِكْرٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَذُّرِ جِمَاعِهَا وَصُعُوبَتِهِ (لَمْ تُحَدَّ هِيَ) لِشُبْهَةِ بَقَاءِ الْعُذْرَةِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ (وَلَا قَاذِفُهَا) لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا، وَاحْتِمَالُ عَوْدِ بَكَارَتِهَا لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِافْتِضَاضِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ غَوْرَاءَ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ حُدَّتْ لِثُبُوتِ الزِّنَا وَعَدَمِ التَّنَافِي اهـ.

وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْلِيلِ: أَنَّ التَّحْلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ، وَلَا الشُّهُودُ أَيْضًا. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: ٢٨٢] قَالَ الْقَاضِي: وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِلَا خِلَافٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>