للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا السَّكْرَانَ الِاخْتِيَارُ، وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ.

ــ

[مغني المحتاج]

حُصُولِ الْإِيذَاءِ بِقَذْفِهِمَا، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (إلَّا السَّكْرَانَ) فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى عِنْدَهُ مِنْ التَّكْلِيفِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُحَدُّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، هَذَا وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَالِاخْتِيَارُ) فَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَذَى بِذَلِكَ لِإِجْبَارِهِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مُكْرِهٍ بِكَسْرِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَعْلُ يَدِ الْمُكْرَهِ كَالْآلَةِ لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ يَدَهُ فَيَقْتُلُ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ لِسَانَ غَيْرِهِ فَيَقْذِفُ بِهِ.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ عَنْ شُرُوطٍ أُخَرَ، وَهِيَ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ، وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمُ إذْنِ الْمَقْذُوفِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَصْلٍ، فَلَا حَدَّ عَلَى حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا عَلَى مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَإِنْ ادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّ الْجَمَاهِيرَ أَجْمَعُوا عَلَى حَدِّهِ، كَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا، وَلَا عَلَى أَصْلٍ: كَمَا سَيَأْتِي، وَيَسْقُطُ أَيْضًا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ الْقَاذِفِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَا الْمَقْذُوفِ وَبِإِقْرَارِهِ وَبِعَفْوِهِ وَبِاللِّعَانِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ (وَيُعَزَّرُ) الْقَاذِفُ (الْمُمَيِّزُ) مِنْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ، فَإِنْ لَمْ يُعَزَّرْ الصَّبِيُّ حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ، وَقَدْ حَدَثَ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ التَّكْلِيفُ كَمَا قَالَاهُ فِي اللِّعَانِ، وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ كَذَلِكَ (وَلَا يُحَدُّ) الْأَصْلُ وَلَوْ أُنْثَى (بِقَذْفِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ) كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ.

تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلْإِيذَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إنَّ الْأَصْلَ لَا يُحْبَسُ فِي وَفَاءِ دَيْنِ فَرْعِهِ مَعَ أَنَّ الْحَبْسَ تَعْزِيرٌ.

أُجِيبَ بِأَنَّ حَبْسَهُ لِلدَّيْنِ قَدْ يَطُولُ زَمَنُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ هُنَا فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِقِيَامٍ مِنْ مَجْلِسٍ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَ فَهُوَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْوَلَدِ، وَكَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ وَلَدِهِ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ وَرِثَهُ الْوَلَدُ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَتْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ابْتِدَاءٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ انْتِهَاءٌ كَالْقِصَاصِ، فَإِنْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَأَنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَسْتَوْفِيهِ جَمِيعَهُ.

فَرْعٌ: قَالَ فِي الْحَاوِي فِي بَابِ اللِّعَانِ: لَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَنْتَ وَلَدُ زِنًا كَانَ قَاذِفًا لِأُمِّهِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ بَحْثًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهَا عَلَى نَقْلٍ، وَزَادَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْمَشْتُومِ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَوْ قَذَفَ شَخْصٌ آخَرَ فِي خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً مُوجِبَةً لِلْحَدِّ لِخُلُوِّهِ عَنْ مَفْسَدَةِ الْإِيذَاءِ، وَلَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا عِقَابَ مَنْ كَذَبَ كِذْبًا لَا ضَرَرَ فِيهِ. فَائِدَةٌ: اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْغَيْبَةَ بِالْقَلْبِ إذَا أَدْرَكَهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ كَمَا لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>