وَأُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا نَائِمَةً، أَوْ مَجْنُونَةً.
الرَّابِعُ كَوْنُهُ مُحَرَّزًا بِمُلَاحَظَةِ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ اُشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَبَعٌ لَلْمُسْلَمِينَ.
(وَ) الْأَصَحُّ قَطْعُهُ بِسَرِقَةِ (أُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا) حَالَ كَوْنِهَا (نَائِمَةً، أَوْ مَجْنُونَةً) أَوْ عَمْيَاءَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، أَوْ مُكْرَهَةً كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، أَوْ أَعْجَمِيَّةً لَا تُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهَا وَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ كَالْقِنِّ. وَالثَّانِي لَا لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا إذَا كَانَتْ عَاقِلَةً بَصِيرَةً مُسْتَيْقِظَةً فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَمِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَدُهَا الصَّغِيرُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَلَوْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ بَالِغًا أَعْجَمِيًّا لَا يُمَيِّزُ قُطِعَ قَطْعًا إذَا كَانَ مُحَرَّزًا، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ أُمَّ الْوَلَدِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ وَخَرَجَ بِأُمِّ الْوَلَدِ الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ مَظِنَّةَ الْحُرِّيَّةِ شُبْهَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الْقَطْعِ.
(الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَسْرُوقِ (كَوْنُهُ مُحَرَّزًا) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا لَيْسَ مُحَرَّزًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِيمَا أَوَاهُ الْمُرَاحُ» وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعْظُمُ بِمُخَاطَرَةِ أَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ، فَحُكِمَ بِالْقَطْعِ زَجْرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَّأَهُ الْمَالِكُ وَمَكَّنَهُ مِنْ تَضْيِيعِهِ، وَالْإِحْرَازُ يَكُونُ إمَّا (بِمُلَاحَظَةٍ) لِلْمَسْرُوقِ (أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: مِنْ التَّحْصِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ، وَالْمُحَكَّمُ فِي الْحِرْزِ الْعُرْفُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدَّ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْيَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ حِرْزًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِحَسَبِ صَلَاحِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَفَسَادِهَا وَقُوَّةِ السُّلْطَانِ وَضَعْفِهِ، وَضَبَطَهُ الْغَزَالِيُّ بِمَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَحْرَازُ تَخْتَلِفُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ بِاخْتِلَافِ نَفَاسَةِ الْمَالِ وَخِسَّتِهِ، وَبِاخْتِلَافِ سَعَةِ الْبَلَدِ وَكَثْرَةِ دُعَّارِهِ وَعَكْسِهِ، وَبِاخْتِلَافِ الْوَقْتِ أَمْنًا وَعَكْسِهِ، وَبِاخْتِلَافِ السُّلْطَانِ عَدْلًا وَغِلْظَةً عَلَى الْمُفْسِدِينَ وَعَكْسَهُ، وَبِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِحْرَازُ اللَّيْلِ أَغْلَظُ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَصْرُ الْحِرْزِ فِيمَا ذَكَرَ النَّائِمَ عَلَى ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ لَا مُلَاحَظَةَ مِنْهُ، وَلَيْسَ الثَّوْبُ بِمَوْضِعٍ حَصِينٍ مَعَ أَنَّ سَارِقَهُ يُقْطَعُ، وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ.
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّوْمَ عَلَى الثَّوْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُلَاحَظَةِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَارِقًا.
تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُهُ " بِأَوْ " يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْحَصَانَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ اللَّحْظِ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي غَيْرِ الْحِصْنِ إلَى دَوَامِهِ، وَيَكْتَفِي فِي الْحِصْنِ بِالْمُعْتَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا تَكْفِي حَصَانَةُ الْمَوْضِعِ عَنْ أَصْلِ الْمُلَاحَظَةِ، حَتَّى إنَّ الدَّارَ الْبَعِيدَةَ عَنْ الْبَلَدِ لَا تَكُونُ حِرْزًا وَإِنْ تَنَاهَتْ فِي الْحَصَانَةِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَسْرُوقُ (بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ) أَوْ شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا حَصَانَةَ لَهُ (اُشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ الْمُرَاعَاةُ، مَصْدَرُ لَاحَظَهُ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مُحْرِزٌ عُرْفًا. وَأَمَّا بِفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ: مُؤَخِّرُ الْعَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأُذُنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute