وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ.
وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ.
ــ
[مغني المحتاج]
ثَانِيهُمَا أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ كَالشَّهَادَةِ فَيُبَيِّنُ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ وَالْحِرْزِ بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِعِلْمِ الْقَاضِي، وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي رَقِيقِهِ كَمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا (وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ) عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ، وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْقَطْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مَا يَضُرُّ إبْقَاؤُهُ قَطَعَهُ هُوَ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَطْعُهُ. أَمَّا الْغُرْمُ فَلَا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ، وَيُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّالِثُ يُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ لَا فِي الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعَانِ أَحَدُهُمَا: لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. ثَانِيهِمَا: لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ رَجَعَ. قَالَ الْقَاضِي: سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِالْإِقْرَارِ اهـ.
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الزِّنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالتَّرْجِيحُ فِيهِ، وَهُوَ إنْ أَسْنَدَ الْحُكْمَ إلَى الْبَيِّنَةِ لَا يَسْقُطُ، أَوْ إلَى الْإِقْرَارِ قَبْلَ رُجُوعِهِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُقِرَّيْنِ بِالسَّرِقَةِ عَنْ إقْرَارِهِ دُونَ الْآخَرِ فَقَطْ.
(وَمَنْ أَقَرَّ) ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ دَعْوَى (بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِمُقْتَضِيهَا كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا (فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُقِرِّ (بِالرُّجُوعِ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَقْبَلُ فِيهِ رُجُوعَهُ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ فِي السَّرِقَةِ: لَعَلَّكَ أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَفِي الزِّنَا: لَعَلَّك فَاخَذْتَ أَوْ لَمَسْتَ، وَفِي الشُّرْبِ لَعَلَّك لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْته مُسْكِرٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» . وَقَالَ لِمَاعِزٍ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَا) يُصَرِّحُ بِذَلِكَ فَلَا (يَقُولُ) لَهُ (ارْجِعْ) عَنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَأَجْحِدْهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ، وَالثَّانِي لَا يُعَرِّضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يُصَرِّحُ لَهُ بِهِ، وَالثَّالِثُ، يُعَرِّضُ لَهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَإِنْ عَلِمَ فَلَا.
تَنْبِيهَاتٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِقْرَارِ عَمَّا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَبِقَوْلِهِ: وَمَنْ أَقَرَّ، عَمَّا قَبْلَ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالْإِنْكَارِ وَيَحْمِلَهُ عَلَيْهِ: أَيْ يُلَقِّنَهُ إيَّاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute