الرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ، وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ
ــ
[مغني المحتاج]
لِمَا فِيهِ مِنْ انْمِحَاقِ صُورَةِ الصَّلَاةِ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا فَإِنَّ اضْطَجَعَ صَحَّ.
قَالَ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَمَحَلُّ نُقْصَانِ أَجْرِ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِمَا شَيْءٌ.
(الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْقِرَاءَةُ) لِلْفَاتِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ) أَيْ عَقِبَهُ وَلَوْ لِلنَّفْلِ (دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ) وَهُوَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَّ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي أَيْ عِبَادَتِي وَمَحْيَايَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَمَمَاتِي بِإِسْكَانِ الْيَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فِيهِمَا، وَيَجُوزُ فِيهِمَا الْإِسْكَانُ وَالْفَتْحُ، لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْآيَةِ {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٣] [الْأَنْعَامَ] وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا كَلِمَةَ: مُسْلِمًا، فَابْنُ حِبَّانَ. وَفِي رِوَايَةٍ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيُسْرِعُ بِهِ الْمَأْمُومُ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ قِرَاءَةَ إمَامِهِ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ عَلِمَ رِضَا مُقْتَدٍ بِهِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك وَبِحَمْدِكَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِينِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ: أَيْ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْكَ.
وَقِيلَ: لَا يُفْرَدُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْكَ، وَقِيلَ: لَا يَصْعَدُ، وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقِيلَ: لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَلْقِ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ.
وَقَدْ صَحَّ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ أَخْبَارٌ أُخَرُ لَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ: حَنِيفًا وَمِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى إرَادَةِ الْأَشْخَاصِ: أَيْ وَأَنَا مِنْ الْأَشْخَاصِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا شَخْصٌ حَنِيفًا مُسْلِمًا، فَتَأْتِي بِهِمَا الْمَرْأَةُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا حَالَانِ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ: ذَاتُ الْإِنْسَانِ وَجُمْلَةُ بَدَنِهِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُمَا حَالَيْنِ مِنْ تَاءِ الضَّمِيرِ فِي وَجَّهْتُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ التَّأْنِيثُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ، وَقَوْلِي: إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي إلَى قَوْلِهِ: وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢] [التَّحْرِيمَ] : أَيْ الْقَوْمِ الْمُطِيعِينَ، وَلَوْ تَرَكَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُسَنُّ لِمَنْ خَافَ فَوْتَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ وَقْتِ الْأَدَاءِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا مَا يَسَعُ رَكْعَةً، بَلْ يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ، فَلَا يَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالنَّفْلِ وَلَا فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ إلَّا فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، أَوْ فِي التَّشَهُّدِ وَقَامَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُوَافِقَهُ، وَلَا فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ.
(ثُمَّ التَّعَوُّذُ) قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨]