للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُدَّ شَارِبُهُ

ــ

[مغني المحتاج]

وَأَيْضًا أَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ مُتَأَخِّرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَإِنَّمَا حَرُمَ الْقَلِيلُ.

(وَحُدَّ شَارِبُهُ) وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا حَرُمَ تَقْبِيلُ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ، وَلَوْ فُرِضَ شَخْصٌ لَا يُسْكِرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ حَرُمَ شُرْبُهُ لِلنَّجَاسَةِ لَا لِلْإِسْكَارِ، وَيُحَدُّ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: وَغَيْرُهُ حَسْمًا لِلْبَابِ كَمَنْ شَرِبَ قَدْرًا يُؤَثِّرُ فِيهِ لَا يُسْكِرُ، وَمَنْ حُدَّ ثُمَّ شَرِبَ الْمُسْكِرَ حَالَ سُكْرِهِ فِي الشُّرْبِ الْأَوَّلِ حُدَّ ثَانِيًا.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالشَّارِبِ الْمُتَعَاطِي شُرْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَسَوَاءٌ جَامِدُهُ وَمَائِعُهُ مَطْبُوخُهُ وَنِيئِهِ، وَسَوَاءٌ أَتَنَاوَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ أَمْ إبَاحَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِضَعْفِ أَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِالشَّرَابِ النَّبَاتُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَالْحَشِيشَةِ الَّتِي تَأْكُلُهَا الْحَرَافِيشُ، وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهَا. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ: يَجِبُ عَلَى آكِلِهَا التَّعْزِيرُ وَالزَّجْرُ دُونَ الْحَدِّ، وَلَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهَا الصَّلَاةُ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إنَّ الْحَشِيشَةَ أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرِ، وَشَرٌّ مِنْ الْخَمْرِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهَا تُورِثُ نَشْوَةً وَلَذَّةً وَطَرَبًا كَالْخَمْرِ وَيَصْعُبُ الْفِطَامُ عَنْهَا أَكْثَر مِنْ الْخَمْرِ، وَقَدْ أَخْطَأَ الْقَائِلُ فِيهَا:

حَرَّمُوهَا مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ وَنَقْلٍ ... وَحَرَامٌ تَحْرِيمُ غَيْرِ الْحَرَامِ

وَكُلُّ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ نَحْوِ بَنْجٍ لَا حَدَّ فِيهِ كَالْحَشِيشَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ، بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَلَا تُرَادُ الْخَمْرَةُ الْمَعْقُودَةُ وَالْحَشِيشُ

<<  <  ج: ص:  >  >>