. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
نَهَارًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلًا وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْلُ الْبَلَدِ إرْسَالَ الْبَهَائِمِ أَوْ حِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالْعَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ نَهَارًا صُوَرٌ: إحْدَاهَا: مَا إذَا رَبَطَ الدَّابَّةَ فِي الطَّرِيقِ عَلَى بَابِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِشْرَاعِ الْجُنَاحِ. نَعَمْ إنْ رَبَطَهَا فِي الْمُتَّسَعِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِيهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ ثَانِيهَا: مَا إذَا كَانَتْ الْمَرَاعِي مُتَوَسِّطَةً الْمَزَارِعَ، وَكَانَتْ الْبَهَائِمُ تَرْعَى فِي حَرِيمِ السَّوَّاقِي فَيَجِبُ ضَمَانُ مَا تُفْسِدُهُ إذَا أَرْسَلَهَا بِلَا رَاعٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِاعْتِيَادِ الرَّعْيِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
ثَالِثُهَا: مَا إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ، إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَحْفُوفَةً بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ تَرَكَهَا فِي زَرْعِهِ وَغَرِمَ صَاحِبُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ. رَابِعُهَا: مَا إذَا أَرْسَلَهَا فِي الْبَلَدِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا لِمُخَالِفَةِ الْعَادَةَ. خَامِسُهَا: مَا لَوْ تَكَاثَرَتْ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ حَتَّى عَجَزَ أَصْحَابُ الزَّرْعِ عَنْ حِفْظِهَا فَحَكَى فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ: رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي لِخُرُوجِ هَذَا عَنْ مُقْتَضَى الْعَادَةِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. سَادِسُهَا: مَا لَوْ أَرْسَلَ الدَّابَّةَ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ فَانْتَشَرَتْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَفْسَدَتْهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ أَرْسَلَهَا وَلَوْ كَانَ نَهَارًا، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ: إنَّهُ إذَا خَلَّاهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَمْ نَهَارًا فَهُوَ مَضْمُونٌ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي إرْسَالِهَا.
سَابِعُهَا: لَوْ أَرْسَلَ الدَّابَّةَ الْمَوْدُوعَةَ فَأَتْلَفَتْ وَلَوْ نَهَارًا لَزِمَ الْمُرْسِلَ الضَّمَانُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَجِيرٌ يَحْفَظُهَا. ثَامِنُهَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْفَظُ دَوَابَّهُ فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَعَلَى الْأَجِيرِ الضَّمَانُ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَهَا فِي الْوَقْتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَوَقُّفٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْفَظُهُ الْمُلَّاكُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْأَجِيرُ وَالْمُودَعُ إذَا أَتْلَفَتْ نَهَارًا؛ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ حِفْظَهُ نَهَارًا، وَتَفْرِيطُ الْأَجِيرِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي أَنَّ مَالِكَ الدَّابَّةِ يَضْمَنُهُ اهـ.
وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ فَهُوَ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَمْ يُعَلِّقُوا الضَّمَانَ بِرَقَبَةِ الْبَهَائِمِ كَمَا عَلَّقُوهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيمَا تُتْلِفُهُ الْبَهِيمَةُ يُحَالُ عَلَى تَقْصِيرِ صَاحِبِهَا وَالْعَبْدُ ذُو ذِمَّةٍ يَلْتَزِمُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمَّامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النَّحْلُ، وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ النَّحْلِ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute