وَمَرِيضٍ وَذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ، وَأَقْطَعَ، وَأَشَلَّ، وَعَبْدٍ وَعَادِمِ أُهْبَةِ قِتَالٍ، وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْحَجِّ مَنَعَ الْجِهَادَ إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ، وَكَذَا مِنْ لُصُوصِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَالدَّيْنُ الْحَالُّ
ــ
[مغني المحتاج]
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: ٦٥] وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصَرِفُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا.
وَأَحْسَنَ الْحَسَنُ بْنُ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِ:
وَإِذَا الْمَطِيُّ بِنَا بَلَغْنَ مُحَمَّدًا ... فَظُهُورُهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ حَرَامُ
(وَ) لَا عَلَى (مَرِيضٍ) يُتَعَذَّرُ قِتَالُهُ أَوْ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ وَلَا عَلَى أَعْمَى (وَ) لَا (ذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ) وَلَوْ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: ٦١] فَلَا عِبْرَةَ بِصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَضَعْفِ بَصَرٍ إنْ كَانَ يُدْرِكُ الشَّخْصَ وَيُمْكِنُهُ اتِّقَاءُ السِّلَاحِ، وَلَا عَرَجٍ يَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ الْمَشْيَ وَالْعَدْوَ وَالْهَرَبَ (وَ) لَا عَلَى (أَقْطَعَ) يَدٍ بِكَمَالِهَا أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا، بِخِلَافِ فَاقِدِ الْأَقَلِّ، أَوْ فَاقِدِ الْأَنَامِلِ، أَوْ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ بِغَيْرِ عَرَجٍ بَيِّنٍ (وَ) لَا عَلَى (أَشَلَّ) يَدٍ أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجِهَادِ الْبَطْشُ وَالنِّكَايَةَ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ (وَ) لَا عَلَى (عَبْدٍ) وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: ٢٠] وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ وَلَا نَفْسَ يَمْلِكُهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْخِطَابُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، وَلَيْسَ الْقِتَالُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْمُسْتَحَقِّ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقْتَضِي التَّعَرُّضَ لِلْهَلَاكِ (وَ) لَا عَلَى (عَادِمِ أُهْبَةِ قِتَالٍ) مِنْ نَفَقَةٍ وَسِلَاحٍ، وَكَذَا مَرْكُوبٌ إنْ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَزِمَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ فَاضِلٌ ذَلِكَ عَنْ مُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلَوْ مَرِضَ بَعْدَ مَا خَرَجَ أَوْ فَنِيَ زَادُهُ أَوْ هَلَكَتْ دَابَّتُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ أَوْ يَمْضِيَ، فَإِنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الصَّحِيحِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِتَالُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الرَّمْيُ بِهَا عَلَى تَنَاقُضٍ وَقَعَ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ حَوْلَهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمُؤَنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ.
تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِاشْتِرَاطِ مِلْكِهِ الْأُهْبَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْعَدَمِ عَدَمَ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَوْ بُذِلَ لِعَادِمِ الْأُهْبَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَاذِلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ أَشَارَ لِضَابِطٍ يَعُمُّ مَا سَبَقَ وَغَيْرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْحَجِّ) كَفَقْدِ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ (مَنَعَ الْجِهَادَ) أَيْ وُجُوبَهُ (إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ) فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ جَزْمًا لِبِنَاءِ الْجِهَادِ عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ (وَكَذَا) خَوْفٌ (مِنْ لُصُوصِ الْمُسْلِمِينَ) لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُحْتَمَلُ فِي هَذَا السَّفَرِ وَقِتَالُ اللُّصُوصِ أَهَمُّ وَأَوْلَى، وَالثَّانِي، يَمْنَعُ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَأْنَفُ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْوُجُوبِ فِي الصُّورَتَيْنِ إذَا كَانَ لَهُ قُوَّةٌ تُقَاوِمُهُمْ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْذُورٌ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَوَانِعِ الْجِهَادِ الْحِسِّيَّةِ شَرَعَ فِي مَوَانِعِهِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَالَ: (وَالدَّيْنُ الْحَالُّ) عَلَى مُوسِرٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute