للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ.

وَلَهُ بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ.

وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ.

وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ لِلْإِمَامِ. قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْإِذْنِ (وَ) لَهُ أَيْضًا الِاسْتِعَانَةُ بِأَشْخَاصٍ (مُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ) فِي قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ كَسَقْيِ مَاءٍ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى لِمَا مَرَّ. وَيَصْحَبُ أَيْضًا النِّسَاءَ لِمِثْلِ ذَلِكَ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَأَصْنَعُ لَهُمْ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي لَهُمْ الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى» .

تَنْبِيهٌ: الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءُ إنْ كَانُوا أَحْرَارًا كَالْمُرَاهِقِينَ فِي اسْتِئْذَانِ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ أَرِقَّاءَ فَكَالْعَبِيدِ فِي اسْتِئْذَانِ السَّادَاتِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ. أَمَّا إحْضَارُ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَصِبْيَانِهِمْ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْجَوَازَ وَقَالَ: إنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ فِي الْأُمِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ الْإِذْنِ فِي الْعَبِيدِ دُونَ الْمُرَاهِقِينَ، وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ: ابْنُ شُهْبَةَ اعْتِبَارَ إذْنِ الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا إذْنَهُ فِي الْبَالِغِ فَفِي الْمُرَاهِقِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فِي الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُرَاهِقِينَ تَغْرِيرٌ بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا أَثَرَ لِرِضَاهُمْ وَرِضَا الْأَوْلِيَاءِ بِذَلِكَ لِغَرَضِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي إتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ.

أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ أَثَرًا ظَاهِرًا، وَهُوَ تَمَرُّنُهُمْ عَلَى الْجِهَادِ.

(وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ) إعَانَةً لِلْغَازِي، وَلِلْإِمَامِ ثَوَابُ إعَانَتِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا» وَأَمَّا ثَوَابُ الْجِهَادِ فَلِمُبَاشِرِهِ، وَلِلْآحَادِ بَذْلُ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَهُمْ ثَوَابُ إعَانَتِهِمْ، وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ كَمَا مَرَّ، وَمَحِلُّهُ فِي الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا، بَلْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى اجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَخُونُ.

تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مَحِلُّهُ إذَا بَذَلَ ذَلِكَ، لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ لِلْبَاذِلِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

(وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْمُرْتَزِقَةُ مِنْ الْفَيْءِ، وَالْمُتَطَوِّعَةُ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ لَهُمْ، بَلْ هُوَ مُرَتَّبُهُمْ وَجِهَادُهُمْ وَاقِعٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ جَمَاعَةً عَلَى الْغَزْوِ لَمْ يَسْتَحِقُّوا أُجْرَةً لِوُقُوعِ غَزْوِهِمْ لَهُمْ، قَالَ: الْبَغَوِيّ: هَذَا إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَهُمْ الْأُجْرَةُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى حُضُورِ الْوَقْعَةِ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ فَلْيُحْمَلْ إطْلَاقُهُمْ عَلَيْهِ. .

تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ، وَذَكَرَ هَهُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ) وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ (لِلْإِمَامِ) حَيْثُ تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ وَلَوْ بِأَكْثَرِ مِنْ سَهْمٍ لِرَاجِلٍ أَوْ فَارِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ. فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ الدَّوَابِّ، وَاغْتَفَرَتْ الْجَهَالَةُ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْقِتَالُ، وَلِأَنَّ مُعَاقَدَةَ الْكُفَّارِ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي مُعَاقَدَةِ الْمُسْلِمِينَ (قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ) مِنْ الْآحَادِ كَالْأَذَانِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَا تَتَوَلَّاهَا الْآحَادُ، وَالْأَذَانُ الْأَجِيرُ فِيهِ مُسْلِمٌ، وَهَذَا كَافِرٌ لَا يُؤْتَمَنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>