وَتَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَلَوْ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ جَازَ رَمْيُهُمْ، وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ
ــ
[مغني المحتاج]
غَيْرِ مَكَّةَ وَحَرَمِهَا، فَلَوْ تَحَصَّنَ بِهَا أَوْ بِمَوْضِعٍ مِنْ حَرَمِهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى طَائِفَةٌ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ. نَعَمْ يُكْرَهُ حِينَئِذٍ إذْ لَا نَأْمَنُ أَنْ نُصِيبَ مُسْلِمًا مِنْ الْجَيْشِ نَظُنُّهُ كَافِرًا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
(وَ) يَجُوزُ (تَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ) وَهُوَ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا وَهُمْ غَافِلُونَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسُئِلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» .
تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ. قَالَ: فَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ضُمِنَ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِأَصْلِ الْقِتَالِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) أَوْ نَحْوُهُ (جَازَ ذَلِكَ) أَيْ الرَّمْيُ بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ بِحَبْسِ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمْ وَقَدْ لَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَإِنْ أُصِيبَ رُزِقَ الشَّهَادَةَ.
تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْجَوَازِ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ سَوَاءٌ اُضْطُرُّوا إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَمُلَخَّصُ مَا فِي الرَّوْضَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: الْمَذْهَبُ إنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً كُرِهَ تَحَرُّزًا مِنْ إهْلَاكِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً كَخَوْفِ ضَرَرِهِمْ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَتْحُ الْقَلْعَةِ إلَّا بِهِ جَازَ قَطْعًا وَكَالْمُسْلِمِ الطَّائِفَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَلَوْ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ) وَخَنَاثَى (وَصِبْيَانٍ) وَمَجَانِينَ مِنْهُمْ (جَازَ) حِينَئِذٍ (رَمْيُهُمْ) إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَنَتَوَقَّى مَنْ ذُكِرَ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ الْجِهَادِ وَطَرِيقًا إلَى الظَّفَرِ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّا إنْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ لِأَجْلِ التَّتَرُّسِ بِمَنْ ذُكِرَ لَا يَكُفُّونَ عَنَّا فَالِاحْتِيَاطُ لَنَا أَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِمَنْ ذُكِرَ (وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ) وُجُوبًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ جَوَازُ رَمْيِهِمْ كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُمْ، وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً إلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ، وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَمَّا إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ مَكْرًا وَخَدِيعَةً لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ شَرْعَنَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَرْكَ حِصَارِهِمْ وَلَا الِامْتِنَاعَ مِنْ رَمْيِهِمْ وَإِنْ أَفْضَى إلَى قَتْلِ مَنْ ذُكِرَ قَطْعًا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute