وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى بَعِيدَةٍ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ، وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى قَرِيبَةٍ فِي الْأَصَحِّ.
فَإِنْ زَادَ عَلَى مِثْلَيْنِ جَازَ الِانْصِرَافُ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْفِرَارِ الْمُحَرَّمِ، وَإِذَا عَصَى بِالْفِرَارِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي تَوْبَتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِتَالِ أَوْ يَكْفِيه أَنَّهُ مَتَى عَادَ لَا يَنْهَزِمُ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي.
(وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى) فِئَةٍ (بَعِيدَةٍ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ) ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ تَفُوتُ بِبُعْدِهِ. أَمَّا مَا غَنِمُوهُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ فَيُشَارِكُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى) فِئَةٍ (قَرِيبَةٍ) الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ نُصْرَتِهِ فَهُوَ كَالسَّرِيَّةِ الْقَرِيبَةِ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ، وَالثَّانِي لَا يُشَارِكُهُ لِمُفَارَقَتِهِ، وَيُشَارِكُ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ قَطْعًا.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ وَالْمُتَحَرِّفُ يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَهَا نَصَّ عَلَيْهِ: أَيْ إذَا بَعُدَ، وَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا فَصَّلَ فِي الْفِئَةِ.
فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَى الْهَارِبُ التَّحَرُّفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عَادَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْجَمِيعِ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا فَفِي الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ فَقَطْ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ: وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، وَالْجَاسُوسُ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِيَنْظُرَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَنْقُلَ أَخْبَارَهُمْ إلَيْنَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَصْلَحَتِنَا وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّبَاتِ فِي الصَّفِّ.
(فَإِنْ زَادَ) عَدَدُ الْكُفَّارِ (عَلَى مِثْلَيْنِ) مِنَّا (جَازَ الِانْصِرَافُ) عَنْ الصَّفِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: ٦٦] الْآيَةَ (إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ) مِنْ الْكُفَّارِ (فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ لَوْ ثَبَتُوا، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ اعْتِبَارًا بِالْعَدَدِ.
تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يُغَلِّبُ الظَّنَّ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ الزِّيَادَةَ عَلَى مِثْلَيْهِمْ وَيَرْجُونَ الظَّفَرَ بِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنَى يُخَصِّصُهُ أَوْ لَا، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا خُصِّصَ عُمُومُ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْقِتَالُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ الْغَلَبَةُ دَائِرٌ مَعَ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لَا مَعَ الْعَدَدِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي عَكْسِهِ وَهُوَ فِرَارُ مِائَةٍ مِنْ ضُعَفَائِنَا عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعِينَ مِنْ أَبْطَالِهِمْ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ضُعَفَائِهِمْ، وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: تَجُوزُ الْهَزِيمَةُ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ الْمِثْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فُرْسَانًا وَالْكُفَّارُ رَجَّالَةً، وَيَحْرُمُ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانُوا بِالْعَكْسِ، قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ: أَيْ الضُّعَفَاءِ مَعَ الْأَبْطَالِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعْنَى أَوْ بِالْعَدَدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute