وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ وَغَنِيٍّ أَرْبَعَةً.
وَلَوْ عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ ثُمَّ عَلِمُوا جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ، فَإِنْ أَبَوْا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ.
ــ
[مغني المحتاج]
«عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمُعَافِرِ» وَهِيَ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَ بِهِ جَازَ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: اخْتَلَفَ قَوْمُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ أَوْ تَجِبُ بِانْقِضَائِهِ، وَبُنِيَ عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَلْ تَسْقُطُ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَقْدِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْأَسْرَارِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الْجِزْيَةِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ) أَيْ مُشَاحَّةُ الْكَافِرِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ، بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ (حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ، وَ) مِنْ (غَنِيٍّ أَرْبَعَةً) وَمِنْ فَقِيرٍ دِينَارًا اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُتَصَرِّفٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ لَهُمْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُهَا إلَّا كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ اسْتِحْبَابَ الْمُمَاكَسَةِ، فَأَخَذَ شَيْخُنَا مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ كَمَا تَكُونُ فِي الْعَقْدِ تَكُونُ فِي الْأَخْذِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْمُمَاكَسَةُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْغَنِيِّ إلَخْ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ: أَيْ إذَا مَاكَسَهُمْ فِي الْعَقْدِ فَيَأْخُذُ إلَخْ، فَإِنْ أَبَى الْكَافِرُ عَقْدَهَا إلَّا بِدِينَارٍ.
أُجِيبَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ السَّفِيهَ لَا يُمَاكَسُ هُوَ وَلَا وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ.
(وَلَوْ عُقِدَتْ) لِلْكَافِرِ ذِمَّةٌ (بِأَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ (ثُمَّ عَلِمُوا) بَعْدَ الْعَقْدِ (جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ) كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ عَلِمَ الْغَبَنَ (فَإِنْ أَبَوْا) بَذْلَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ كَمَا لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ، فَيُبَلَّغُونَ الْمَأْمَنَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي لَا، وَيَقْنَعُ مِنْهُمْ بِالدِّينَارِ كَمَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَلَغُوا الْمَأْمَنَ، ثُمَّ عَادُوا وَطَلَبُوا الْعَقْدَ بِدِينَارٍ أُجِيبُوا إلَيْهِ كَمَا لَوْ طَلَبُوهُ أَوَّلًا. .
تَنْبِيهٌ: لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ كَذَا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ كَذَا، وَأَطْلَقَ الشَّرْطَ صَحَّ وَاعْتُبِرَ الْغِنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute