وَعَلَفَ الدَّوَابِّ، وَمَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وَمُقَامَهُمْ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى.
ــ
[مغني المحتاج]
وَقَوْلُهُ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا هُوَ بِخَطِّهِ، وَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْوَاوِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَيُقَدَّمُ الطَّعَامُ وَالْأُدْمُ فَيَقُولُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا مِنْ الْخُبْزِ وَكَذَا مِنْ السَّمْنِ (وَ) يَذْكُرُ (عَلَفَ الدَّوَابِّ) وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ، وَيُحْمَلُ عَلَى تِبْنٍ وَقَتٍّ وَحَشِيشٍ، وَيُرْجَعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ، وَلَا يَجِبُ الشَّعِيرُ وَنَحْوُهُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِهِ فَإِنْ ذَكَرَهُ بَيَّنَ قَدْرَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَعْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَوَابَّهُ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى النَّصِّ (وَ) يَذْكُرُ (مَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ) عَنْ أَهْلِهِ وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ الْمَسَاكِنِ مِنْهَا وَإِنْ ضَاقَتْ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ تُعَلَّقَ الْأَبْوَابُ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا كَمَا شَرَطَهُ عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ الشَّامِ (وَ) يَذْكُرُ (مُقَامَهُمْ) بِضَمِّ الْمِيمِ: أَيْ قَدْرَ إقَامَةِ الضِّيفَانِ. فِي الْحَوْلِ كَعِشْرِينَ يَوْمًا. أَمَّا بِفَتْحِهِ فَمَعْنَاهُ الْقِيَامُ (وَلَا يُجَاوِزُ) الْمُضِيفُ فِي الْمُدَّةِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» وَلِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مَشَقَّةً، فَإِنْ وَقَعَ تَوَافُقٌ عَلَى زِيَادَةٍ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَنَقَلَ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ تَزْوِيدَ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اعْتَاضَ الْإِمَامُ عَنْ الضِّيَافَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِرِضَاهُمْ جَازَ، وَاخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَلِضَيْفِهِمْ حَمْلُ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُمَةٌ، وَمَا هُنَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْعِوَضِ، وَلَا طَعَامِ الْغَدِ، وَلَا طَعَامِ أَمْسِ الَّذِي لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الضِّيَافَةِ جَمَاعَةٌ أُجْبِرُوا عَلَيْهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ الْكُلُّ قُوتِلُوا، فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، قَالَهُ مُجَلِّي.
(وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ) مِنْ الْكُفَّارِ مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ (نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ، لَا) بِاسْمِ (جِزْيَةٍ) وَقَدْ عَرَفُوهَا حُكْمًا وَشَرْطًا (فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى) ذَلِكَ وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ وَاسْمُ الْجِزْيَةِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ الْعَرَبِ قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ تَنُوخُ وَنَهَرَا وَبَنُو تَغْلِبَ لَمَّا طَلَبَهَا مِنْهُمْ أَبَوْا دَفْعَهَا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا تُؤَدِّي الْعَجَمُ، فَخُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، يُرِيدُونَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ إنَّهَا طُهْرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَسْتُمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالُوا: تَأْخُذُ مَا شِئْتَ بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَأَبَى فَارْتَحَلُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَلْتَحِقُوا بِالرُّومِ، فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذَهَا جِزْيَةً بِاسْمِ الصَّدَقَةِ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَعَقَدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدًا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، هَذَا إذَا تَيَقَّنَّا وَفَاءَهَا بِدِينَارٍ، وَإِلَّا فَلَا يُجَابُوا، وَلَوْ اقْتَضَى إجَابَتَهُمْ تَسْلِيمُ بَعْضٍ مِنْهُمْ عَنْ بَعْضِ مَا الْتَزَمُوهُ فَإِنَّهُمْ يُجَابُونَ، وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، فَيَقُولُ الْإِمَامُ فِي صُورَةِ الْعَقْدِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute