وَيُلْجَأُ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ.
وَلَا يُوَقَّرُونَ، وَلَا يُصَدَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ.
وَيُؤْمَرُ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ (وَيُلْجَأُ) الذِّمِّيُّ عِنْدَ زَحْمَةِ الْمُسْلِمِينَ (إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ) بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ» . أَمَّا إذَا خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ، قَالَ فِي الْحَاوِي: وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ.
(وَلَا يُوَقَّرُونَ وَلَا يُصَدَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ) فِيهِ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّهُمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ عَلَى الْمَلِكِ الْأَفْضَلِ بْنِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ، وَكَانَ إلَى جَانِبِهِ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ فَوَعَظَ الطُّرْطُوشِيُّ الْأَمِيرَ حَتَّى بَكَى، ثُمَّ أَنْشَدَ:
يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ قُرْبَةٌ ... وَحُبُّهُ مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ
إنَّ الَّذِي شَرُفْتَ مِنْ أَجَلِهِ - أَيْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزْعُمُ هَذَا - أَيْ النَّصْرَانِيُّ - أَنَّهُ كَاذِبُ فَأَقَامَهُ الْأَفْضَلُ مِنْ مَوْضِعِهِ، هَكَذَا كَانَتْ الْعُلَمَاءُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُلُوكِ.
وَتَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ أَنَّ مُخَالَطَتَهُ مَكْرُوهَةٌ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ تَرْجِعُ إلَى الظَّاهِرِ، وَالْمَوَدَّةَ إلَى الْمِيلِ الْقَلْبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمِيلُ الْقَلْبِيُّ لَا اخْتِيَارَ لِلشَّخْصِ فِيهِ؟ .
أُجِيبَ بِإِمْكَانِ رَفْعِهِ بِقَطْعِ أَسْبَابِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا مِيلُ الْقَلْبِ، كَمَا قِيلَ: الْإِسَاءَةُ تَقْطَعُ عُرُوقَ الْمَحَبَّةِ.
(وَيُؤْمَرُ) الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ الْمُكَلَّفَانِ فِي الْإِسْلَامِ وُجُوبًا (بِالْغِيَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ كَلٌّ مِنْهُمَا بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخَيَّاطَةُ عَلَيْهِ، كَالْكَتِفِ عَلَى ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ ثَوْبِهِ وَيَلْبِسهُ، وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ، مَعْرُوفِينَ، فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَخَافُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزِهِمْ وَإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ: الْأَصْفَرُ، وَبِالنَّصَارَى: الْأَزْرَقُ وَالْأَكْهَبُ، وَيُقَالُ لَهُ الرَّمَادِيُّ، وَبِالْمَجُوسِ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَوْلَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ اهـ.
وَيَكْفِي عَنْ الْخِيَاطَةِ الْعِمَامَةُ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ. أَمَّا إذَا انْفَرَدُوا بِمَحَلَّةٍ فَلَهُمْ تَرْكُ الْغِيَارِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ (وَ) يُؤْمَرُ الذِّمِّيُّ أَيْضًا بِشَدِّ (الزُّنَّارِ)