للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا، وَلَوْ خَافَ خِيَانَتَهُمْ فَلَهُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ إلَيْهِمْ وَيُبْلِغُهُمْ الْمَأْمَنَ، وَلَا يُنْبَذُ عَقْدُ الذِّمَّةِ بِتُهَمَةٍ.

وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَأْتِينَا مِنْهُمْ، فَإِنْ شُرِطَ فَسَدَ الشَّرْطُ وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَلَا) يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ النَّاقِضُ رَئِيسَهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: ١٦٥] فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ اعْتِزَالٍ أَوْ إعْلَامِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ فَنَاقِضُونَ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا أَتَى بِمِثَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنْكَارٌ فِعْلِيٌّ، وَالثَّانِي قَوْلِيٌّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكَرِ النَّقْضِ بِيَمِينِهِ.

(وَلَوْ خَافَ) الْإِمَامُ (خِيَانَتَهُمْ) بِظُهُورِ أَمَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْخَوْفِ لَا بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ (فَلَهُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ إلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: ٥٨] الْآيَةَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الْخِيَانَةَ لَا يَجُوزُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ عَقْدَهَا لَازِمٌ (وَ) يُنْذِرهُمْ بَعْدَ نَبْذِ عَهْدِهِمْ، وَ (يُبْلِغُهُمْ) وُجُوبًا (الْمَأْمَنَ) بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ وَفَاءً بِالْعَهْدِ، وَسَبَقَ تَفْسِيرُ الْمَأْمَنِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ (وَلَا يُنْبَذُ عَقْدُ الذِّمَّةِ بِتُهَمَةٍ) بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ: أَيْ بِمُجَرَّدِهَا عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْإِمَامِ خِيَانَتَهُمْ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ يُغَلَّبُ جَانِبُهُمْ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ إذَا طَلَبُوا، وَفِي الْهُدْنَةِ يُغَلَّبُ جَانِبُنَا، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. الثَّانِي أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ خِيَانَتُهُمْ أَمْكَنَهُ تَدَارُكهَا بِخِلَافِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ. الثَّالِثُ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ.

(وَلَا يَجُوزُ) فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ (شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَأْتِينَا مِنْهُمْ) وَإِنْ أَسْلَمَتْ عِنْدنَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تُزَوَّجَ بِكَافِرٍ، وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْهَرَبِ مِنْهُمْ وَقَرِيبَةٌ مِنْ الِافْتِتَانِ لِنُقْصَانِ عَقْلِهَا وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهَا. تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ تَأْتِينَا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ جَاءَتْ إلَيْنَا كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (فَإِنْ شُرِطَ) فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ رَدُّ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَسَدَ الشَّرْطُ) قَطْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا عَشِيرَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا (وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِفَسَادِ الشَّرْطِ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآكَدَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: هَذَا هُوَ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّهُ ضَعَّفَهُ هُنَاكَ فَكَرَّرَ وَنَاقَضَ. وَسَلِمَتْ الرَّوْضَةُ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ عَبَّرَ أَوَّلًا بِالصَّحِيحِ، ثُمَّ أَحَالَ ثَانِيًا عَلَيْهِ اهـ.

وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الشَّارِحُ فَقَالَ: وَأَشَارَ بِهِ: أَيْ بِالتَّعْبِيرِ بِالْأَصَحِّ إلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَعَبَّرَ فِي صُوَرٍ تَقَدَّمَتْ بِالصَّحِيحِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ فِيهَا، فَلَا تَكْرَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>