وَكَذَا عَبْدٌ وَحُرٌّ لَا عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَيُرَدُّ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبَتْهُ إلَيْهَا لَا إلَى غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَقْدِرَ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَّالِبِ وَالْهَرَبِ مِنْهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَاجِبَةٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي جَوَازِ رَدِّهِ إلَى الْكُفْرِ، فَإِنَّهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ اسْتِمَالَتِهِ وَرَدِّهِ إلَى الْكُفْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ. ثُمَّ وَصَفَا الْكُفْرَ رُدَّا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَصِفَا شَيْئًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ وَصَفَا الْإِسْلَامَ لَمْ يَرُدَّا كَمَا لَوْ كَانَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، أَوْ وَقَعَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ جُنُونِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ أَيْضًا (وَكَذَا) لَا يُرَدُّ (عَبْدٌ) مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ (وَ) كَذَا لَا يُرَدُّ (حُرٌّ لَا عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَذَلُّ عِنْدَهُمْ كَالْعَبْدِ، وَقِيلَ يُرَدَّانِ لِقُوَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالرَّدِّ فِي الْحُرِّ، وَالْجُمْهُورُ بِعَدَمِهِ فِي الْعَبْدِ. أَمَّا الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَلَوْ مُكَاتَبَةً وَمُسْتَوْلَدَةً فَلَا تُرَدُّ قَطْعًا. .
تَنْبِيهٌ: لَوْ هَاجَرَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ أَوْ بَعْدَهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَمُكَاتَبَةً ثُمَّ أَسْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَ قَاهِرًا لِسَيِّدِهِ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْقَهْرِ فَيَعْتِقُ، وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى نَفْسِهِ مَلَكَهَا، وَيَعْتِقُ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ هَاجَرَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ لِوُقُوعِ قَهْرِهِ حَالَ الْإِبَاحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْظُورَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مُسْلِمًا مُرَاغِمًا لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ وَيُهِينُهُ وَلَا عَشِيرَةَ لَهُ تَحْمِيهِ: بَلْ يُعْتِقُهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَعْتَقَهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ وَلَاؤُهُ، وَكَالْمُهَاجَرَةِ الْهَرَبُ إلَى الْمَأْمَنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هِجْرَتَهُ؛ لِأَنَّ بِهَا يُعْلَمُ عِتْقُهُ غَالِبًا. وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَتَبْقَى مُكَاتَبَةً إنْ لَمْ تُعْتَقْ، فَإِنْ أَدَّتْ نُجُومَ الْكِتَابَةِ عَتَقَتْ بِهَا وَوَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ وَقَدْ أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ النُّجُومِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَهُ حَسَبَ مَا أَدَّتْهُ مِنْ قِيمَتِهَا، فَإِنْ وَفِيَ بِهَا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا عَتَقَتْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَسْتَرْجِعُ مِنْ سَيِّدِهَا الزَّائِدُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا وُفِّيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَيُرَدُّ مَنْ) أَيْ حُرٌّ (لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبَتْهُ) أَنْ يُرَدَّ (إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو» ، كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمْ يَذُبُّونَ عَنْهُ وَيَحْمُونَهُ. تَنْبِيهٌ: هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الطَّلَبِ بِحُضُورِ الْعَشِيرَةِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ يَكْفِي بَعْثُ رَسُولِهِمْ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. قَالَ: وَإِذَا شُرِطَ رَدُّ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ كَانَ الشَّرْطُ جَائِزًا، صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ ضَابِطٌ حَسَنٌ وَ (لَا) يَجُوزُ رَدُّهُ (إلَى غَيْرِهَا) أَيْ عَشِيرَتِهِ إذَا طَلَبَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤْذُونَهُ (إلَّا أَنْ يَقْدِرَ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَّالِبِ) لَهُ (وَالْهَرَبِ مِنْهُ) فَيُرَدُّ إلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ رَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ فِي طَلَبِهِ رَجُلَانِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي الطَّرِيقِ وَأَفْلَتَ الْآخَرُ رَوَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute