وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ.
وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ حَرُمَ أَكْلُهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ. قُلْت: الْأَصَحُّ يُكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
ــ
[مغني المحتاج]
غَيْرِ تَمْيِيزٍ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ، وَبِحَالِ الرَّفَاهِيَةِ حَالُ الضَّرُورَةِ، فَلَا عِبْرَةَ بِهَا.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ جَمْعٍ مِنْهُمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ وَيُرْجَعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ، فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ فَحَلَالٌ أَوْ اسْتَخْبَثَتْهُ فَحَرَامٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ حَالُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِطَابَتِهِ اُتُّبِعَ الْأَكْثَرُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَلَا تَرْجِيحَ أَوْ شَكُّوا أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اعْتَبَرْنَا قُرْبَ الْحَيَوَانِ شَبَهًا بِهِ صُورَةً أَوْ طَبْعًا أَوْ طَعْمًا، فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُشْبِهُهُ فَحَلَالٌ لِآيَةِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا فَاعْتِمَادُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحِلِّ أَوْلَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ، وَانْدَفَعَ بِمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ اعْتِرَاضُ الْبُلْقِينِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَمْ يَسْتَقِمْ فَقَدْ حُكِمَ بِحِلِّ الثَّعْلَبِ، وَتَحْرِيمِ الْبَبَّغَاءِ وَالطَّاوُوسِ، وَلَيْسَ فِيهَا نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ أَوْ قَوْلُ عَالِمٍ فَقَوْلُ الْعَالِمِ لَيْسَ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ، وَإِنْ أُرِيدَ نَصُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ نَصُّ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ نَصٌّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ (وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا) أَيْ الْعَرَبُ عَنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ (وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ) لَهُ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْمِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ) مِنْ الْحَيَوَانِ فِي الصُّورَةِ أَوْ الطَّبْعِ أَوْ الطَّعْمِ فِي اللَّحْمِ، فَإِنْ تَسَاوَى الشَّبَهَانِ أَوْ فُقِدَ مَا يُشْبِهُهُ حَلَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُكْمِ الْحَيَوَانِ الْحَرَامِ أَخَذَ مِنْ حُكْمِ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ.
فَقَالَ (وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ) مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَدَجَاجٍ، وَلَوْ يَسِيرًا (حَرُمَ أَكْلُهُ) أَيْ اللَّحْمِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْخَبَائِثِ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا، وَشُرْبِ لَبَنِهَا وَرُكُوبِهَا كَمَا قَالَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَيُقَالُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهِيَ الْعَذِرَةُ وَالْبَعْرُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَالْحُكْمُ مَنُوطٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّغَيُّرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّحْرِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَإِطْلَاقُهُ هُنَا التَّعْبِيرَ يَشْمَلُ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ، وَقَيَّدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِالرَّائِحَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ تَغَيُّرَ الطَّعْمِ أَشَدُّ (وَقِيلَ يُكْرَهُ) لِنَتْنِ لَحْمِهَا (قُلْت الْأَصَحُّ يُكْرَهُ) كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَنْ إيرَادِ أَكْثَرِهِمْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ النَّهْيَ، إنَّمَا هُوَ لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ نَتُنَ اللَّحْمُ الْمُذَكَّى وَتَرَوَّحَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِاللَّحْمِ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute