وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ لِأَكْلِهِ. قُلْت: الْأَصَحُّ جَوَازُهُ، وَشَرْطُهُ فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ، وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ لِغَيْرِهِ وَمِنْ مَعْصُومٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
أَحَدُهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ لِبِنَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ ثَانِيهَا يَتَعَيَّنُ الطَّعَامُ ثَالِثُهَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ وَجَدَ الْمَرِيضُ طَعَامًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يَضُرُّهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ فَلَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ دُونَهُ، وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ شُرْبُ الْبَوْلِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ النَّجِسِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ أَخَفُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ.
(وَالْأَصَحُّ) حَيْثُ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا يَأْكُلُهُ (تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ) كَجُزْءٍ مِنْ فَخْذِهِ (لِأَكْلِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْهَلَاكُ (قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (الْأَصَحُّ جَوَازُهُ) لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضِهِ لِاسْتِبْقَاءِ كُلِّهِ، فَأَشْبَهَ قَطْعَ الْيَدِ بِسَبَبِ الْأَكَلَةِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْجَوَازِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا (فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا) مِمَّا مَرَّ (وَ) الْأَمْرُ الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ) مِنْ الْخَوْفِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ حَرُمَ جَزْمًا فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَطْعِ السِّلْعَةِ الْجَوَازُ عِنْدَ تَسَاوِي الْخَطَرَيْنِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ السِّلْعَةَ لَحْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْبَدَنِ وَفِي قَطْعِهَا إزَالَةُ الشَّيْنِ وَتَوَقُّعُ الشِّفَاءِ وَدَوَامُ الْبَقَاءِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُدَاوَاةِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ إفْسَادًا وَتَغْيِيرًا لِبِنْيَتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُدَاوَاةِ، وَلِهَذَا قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلَّ الْقَطْعِ هُنَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَجُوزُ قَطْعُهُ فِي غَيْرِ الْإِضْرَارِ، فَإِنْ كَانَ كَالسِّلْعَةِ وَالْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ حَيْثُ جَازَ قَطْعُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ قَطْعًا (وَيَحْرُمُ) جَزْمًا عَلَى شَخْصٍ (قَطْعُهُ) أَيْ بَعْضِ نَفْسِهِ (لِغَيْرِهِ) مِنْ الْمُضْطَرِّينَ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ قَطْعُ الْبَعْضِ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ.
تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَبِيًّا، وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ بَلْ يَجِبُ (وَ) يَحْرُمُ عَلَى مُضْطَرٍّ أَيْضًا أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً (مِنْ) حَيَوَانٍ (مَعْصُومٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ.
خَاتِمَةٌ تَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ الْمُبَاحِ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ، هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ، وَأَوْقَاتِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ، بَلْ تَطْيِيبَ خَاطِرِ الضَّيْفِ وَالْعِيَالِ، وَقَضَاءَ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ وَفِي إعْطَاءِ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةِ مَذَاهِبُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْعُهَا وَقَهْرُهَا لِئَلَّا تَطْغَى، إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثُهَا لِرَوْحانِيَّتِهَا قَالَ وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي إعْطَاءِ الْكُلِّ سَلَاطَةً عَلَيْهِ وَفِي مَنْعِهِ بَلَادَةً، وَيُسَنُّ الْحُلْوُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ عَلَى الْأَكْلِ، وَيُسَنُّ تَقْلِيلُهُ، وَيُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute