للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ.

وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ، لَمْ تَنْعَقِدْ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْخَبَرِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ، وَقَوْلُهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَقَاءُ، وَالْحَيَاةُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَاتِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَفَالَتِهِ كُلٌّ مِنْهَا كَذَلِكَ، سَوَاءٌ أَضَافَ الْمَعْطُوفَاتِ إلَى الضَّمِيرِ كَمَا مَثَّلَ، أَمْ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ، وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدَنَا بِهِ، وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا، وَقَدْ فُسِّرَ بِهَا الْأَمَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: ٧٢] فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِالْكُلِّ انْعَقَدَتْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تَأْكِيدٌ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فِيهَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا كَانَ يَمِينًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا.

(وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ) أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ (أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ أَوْ مِنْ الْكَعْبَةِ (فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) لِخُلُوِّهِ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ بِهِ، وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَالتَّلَفُّظُ بِهِ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَذْكَارِ. هَذَا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الرِّضَا بِالتَّهَوُّدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ كَفَرَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُهُ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ، فَفِي الْمُهِمَّاتِ: الْقِيَاسُ تَكْفِيرُهُ إذَا عَرِيَ عَنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ، وَكَلَامُ الْأَذْكَارِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ اهـ.

وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْأَذْكَارِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِذَا لَمْ نُكَفِّرْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ اهـ.

وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، وَيُسَنُّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ كُلِّ تَكَلُّمٍ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ.

وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَوْنُ الْحَالِفِ قَاصِدًا مَعْنَاهَا (وَ) حِينَئِذٍ (مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا) أَيْ الْيَمِينِ (بِلَا قَصْدٍ) لِمَعْنَاهَا (لَمْ تَنْعَقِدْ) يَمِينُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] أَيْ قَصَدْتُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] وَلَغْوُ الْيَمِينِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ رَفْعَهُ كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْمُرَادُ بِتَفْسِيرِ لَغْوِ الْيَمِينِ بِلَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الْجَمْعِ أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا

<<  <  ج: ص:  >  >>