للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ حَنِثَ. قُلْت: تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ، وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ لِذُهُولٍ، وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ وَصَلَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَزَوَّجُ) وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ (أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ) وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ (أَوْ لَا يَلْبَسُ) وَهُوَ لَابِسٌ (أَوْ لَا يَرْكَبُ) وَهُوَ رَاكِبٌ (أَوْ لَا يَقُومُ) وَهُوَ قَائِمٌ (أَوْ لَا يَقْعُدُ) وَهُوَ قَاعِدٌ (فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ) الْمُتَّصِفَ بِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ إلَى آخِرِهَا (حَنِثَ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (قُلْت: تَحْنِيثُهُ) أَيْ الْمُحَرَّرِ بِمَسَائِلِ اسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: لَبِسْتُ يَوْمًا وَرَكِبْتُ يَوْمًا، وَهَكَذَا الْبَاقِي وَ (بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ) لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَجْزُومِ بِهِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ (لِذُهُولٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَهُوَ نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ؛ إذْ لَا يُقَالُ: تَزَوَّجْتُ شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ قَبُولُ الْعَقْدِ. وَأَمَّا وَصْفُ الشَّخْصِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ نَاكِحًا فُلَانَةَ مُنْذُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ اسْتِمْرَارُهَا عَلَى عِصْمَةِ نِكَاحِهِ، وَلَا يُقَالُ: تَطَهَّرْت شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ.

تَنْبِيهٌ مَحِلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِدَامَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا حَنِثَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ بِيَمِينِهِ، قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ نَوَى بِاللُّبْسِ شَيْئًا مُبْتَدَأً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَطَيَّبُ، إذْ لَا يُقَالُ: تَطَيَّبْتُ شَهْرًا، وَلِهَذَا لَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ لَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ (وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ، وَصَلَاةٌ) بِأَنْ يَحْلِفَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَنَّهُ فِيهَا، أَوْ كَانَ أَخْرَسَ وَحَلَفَ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ إشْكَالٍ، إذْ يُقَالُ؛ صُمْتُ شَهْرًا وَصَلَّيْت لَيْلَةً، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ انْعِقَادُ النِّيَّةِ، وَالصَّوْمَ كَذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي التَّزَوُّجِ: إنَّهُ قَبُولُ النِّكَاحِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ إحْرَامًا صَحِيحًا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ بِالتَّحَرُّمِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكُلُّ عَقْدٍ أَوْ فِعْلٍ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لَا تَكُونُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ زَيْدًا فَاسْتَدَامَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِالْحِنْثِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ شَرِكَةً مُبْتَدَأَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ فَاسْتَدَامَ حَنِثَ قَطْعًا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَغْصِبُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ بِاسْتِدَامَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قِيلَ يُقَالُ: غَصَبْتُهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. .

أُجِيبَ بِأَنَّ (يَغْصِبَ) يَقْتَضِي فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أُنْشِئُ غَصْبًا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: غَصَبَهُ شَهْرًا فَمَعْنَاهُ: غَصَبَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا كَمَا أُوِّلَ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: ٢٥٩] أَيْ أَمَاتَهُ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ أَوْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغَصْبِ شَهْرًا، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ غَاصِبًا بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَمَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ فِي السَّفَرِ قَاصِدًا بِحَلِفِهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ فَرَجَعَ فَوْرًا أَوْ وَقَفَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مُسَافِرٌ أَيْضًا، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>