أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا فِي الْجَدِيدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
كَلَامٌ حَقِيقَةً، وَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يَعُدُّونَهُ مُخَاطَبَةً لِلنَّاسِ.
فَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا (أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) وَسَمِعَ كَلَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ قَالَا: وَلَوْ كَانَ سَلَامُ الصَّلَاةِ (حَنِثَ) أَمَّا عَدَمُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَدْ مَرَّ، وَأَمَّا عَدَمُ كَلَامِهِ فَلِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ بِالسَّلَامِ، فَلَوْ قَصَدَ التَّحَلُّلَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْبَابِ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ كَلَّمَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ السَّلَامِ مُوَاجَهَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَبَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ عَدَمَ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ هُنَاكَ تُصَدِّقُهُ. وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ الْمُوَاجَهَةَ أَيْضًا، فَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ تَعْرِيضٌ لَهُ وَلَمْ يُوَاجِهْهُ كَيَا حَائِطُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ كَذَا لَمْ يَحْنَثْ، وَالْمُرَادُ. بِالْكَلَامِ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ نَائِمٌ بِكَلَامٍ يُوقِظُ مِثْلَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ، يَسْمَعُ كَلَامَهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، سَمِعَ كَلَامَهُ أَمْ لَا (وَإِنْ) (كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا) بِعَيْنٍ أَوْ رَأْسٍ (فَلَا) حِنْثَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (فِي الْجَدِيدِ) حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ النَّفْيِ عَنْ ذَلِكَ. فَيُقَالُ مَا كَلَّمَهُ وَلَكِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: ٢٦] {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: ٢٩] وَفِي الْقَدِيمِ نَعَمْ، حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: ٥١] فَاسْتَثْنَى الْوَحْيَ وَالرِّسَالَةَ مِنْ التَّكَلُّمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ، وقَوْله تَعَالَى: {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] فَاسْتَثْنَى الرَّمْزَ مِنْ الْكَلَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْجَدِيدِ، وَحَمَلَ مَا نُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ عَلَى مَا إذَا نَوَى فِي يَمِينِهِ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُرَاسَلَةَ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَ النِّيَّةِ يَحْنَثُ قَطْعًا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَجَازَ تَجُوزُ إرَادَتُهُ بِالنِّيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ إشَارَةِ النَّاطِقِ وَالْأَخْرَسِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ بِالْإِشَارَةِ حَنِثَ، وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَاطِقٍ فَخَرَسَ، وَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ طَلُقَتْ،
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَرَسَ مَوْجُودٌ فِيهِ قَبْلَ الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute