فَإِنْ كَانَ قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ، وَإِنْ قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ فَرَكِبَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ دَمٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
الرَّوْضَةِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ النَّذْرِ تَرْجِيحُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إذَا شُرِطَتْ كَمَنْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ إذَا قُلْنَا: الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي أَوَائِلِ النَّذْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ نَاصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ الْمَشْرُوطُ إلَّا إذَا جَعَلْنَا الْمَشْيَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوبِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ هُنَا مِنْ الرَّوْضَةِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ لِلرَّافِعِيِّ عَلَى لُزُومِ الْمَشْيِ: الصَّوَابُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ لُزُومَ الْمَشْيِ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مَقْصُودًا مَعَ كَوْنِهِ مَفْضُولًا، وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ مَقْصُودًا فَلَا يَمْنَعُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَصَلَّى قَائِمًا؟ . قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الرُّكُوبُ وَالْمَشْيُ نَوْعَانِ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفِضَّةِ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّصَدُّقِ بِالذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ.
وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ كَانَ) (قَالَ) فِي نَذْرِهِ (أَحُجُّ مَاشِيًا) أَوْ أَمْشِي حَاجًّا وَأَطْلَقَ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (فَمَنْ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ (حَيْثُ يُحْرِمُ) مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ، وَابْتِدَاءُ الْحَجِّ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِالْمَشْيِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَزِمَهُ (وَإِنْ) (قَالَ) فِي نَذْرِهِ (أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى) الْحَرَامِ أَوْ إلَى الْحَرَمِ مَاشِيًا (فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) يَمْشِي (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ. وَالثَّانِي يَمْشِي مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْحَرَامُ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ بَيْتِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا مَرَّ (وَإِذَا) (أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ) عَلَى النَّاذِرِ (فَرَكِبَ لِعُذْرٍ) وَهُوَ أَنْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا قَالُوهُ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (أَجْزَأَهُ) نُسُكُهُ رَاكِبًا عَنْ نَذْرِهِ مَاشِيًا قَطْعًا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ» (وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ. وَالثَّانِي لَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَصَلَّى قَاعِدًا لِلْعَجْزِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْبَرُ بِالْمَالِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ عَمَّا إذَا لَمْ نُوجِبْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ (أَوْ) رَكِبَ (بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ) الْحَجُّ رَاكِبًا (عَلَى الْمَشْهُورِ) مَعَ عِصْيَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا هَيْئَةً الْتَزَمَهَا وَتَرْكُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاحْتِسَابِ فَصَارَ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا الْتَزَمَ، وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهِمَا لِأَنَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute