للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

كُلُّهَا، وَلَا يُعْذَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ، وَاَللَّذَانِ فِي النَّارِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ» فَالْقَاضِي الَّذِي يَنْفُذُ حُكْمُهُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ لَا اعْتِبَارَ بِحُكْمِهِمَا، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى فِعْلِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا. وَقَدْ اسْتَقْضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَوَلِيَهُ سَادَاتٌ وَتَوَرَّعَ عَنْهُ مِثْلُهُمْ، وَوَرَدَ مِنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّحْذِيرِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْصِبٌ عَظِيمٌ إذَا قَامَ الْعَبْدُ بِحَقِّهِ، وَلَكِنَّهُ خَطِرٌ وَالسَّلَامَةُ فِيهِ بَعِيدَةٌ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ كَتَبَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَمَّا كَانَ قَاضِيًا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ: " إنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْمَرْءَ عَمَلُهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّك جُعِلْت طَبِيبًا تُدَاوِي، فَإِنْ كُنْت تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَك، وَإِنْ كُنْت مُطَبِّبًا فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ أَحَدًا فَتَدْخُلَ النَّارَ "، فَمَا بَالُك بِمَنْ لَيْسَ بِطَبِيبٍ وَلَا مُطَبِّبٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ: أَنَا نَذِيرٌ لِمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَهْلِيَّةُ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ. فَإِنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ يُؤْخَذُ بِالْقَبُولِ، وَكَلَامَ الْقُضَاةِ تَسْرِي إلَيْهِ الظُّنُونُ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرٌ فِي وَقَائِعَ جُزْئِيَّةٍ، فَالْعِلْمُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي التَّحْذِيرِ عَنْهُ «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُكْرَهُ لَهُ الْقَضَاءُ، أَوْ يَحْرُمُ عَلَى مَا سَيَأْتِي (هُوَ) أَيْ قَبُولُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ مِنْ الْإِمَامِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ فِي النَّاحِيَةِ.

أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥] وَلِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّظَالُمِ وَمَنْعِ الْحُقُوقِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ الْإِمَامُ عَلَى فَصْلِ الْخُصُومَاتِ بِنَفْسِهِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، وَهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ «وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَأَنَا شَابٌّ لَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ، قَالَ: فَوَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا شَكَكْت فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَاسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ وَالِيًا وَقَاضِيًا، وَقَلَّدَ مُعَاذًا قَضَاءَ الْيَمَنِ وَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ إنْسَانًا إلَى الْبَحْرَيْنِ: وَبَعَثَ عُمَرُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إلَى الْبَصْرَةِ، فَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>