للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَاطِقٌ كَافٍ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَمُجْمَلَهُ وَمُبَيَّنَهُ، وَنَاسِخَهُ

ــ

[مغني المحتاج]

مَالِكٌ بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَعْمَى.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ دُونَ الْحُكْمِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ ثُمَّ عَمِيَ قَضَى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ - وَاسْتَثْنَى أَيْضًا لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ عَلَى حُكْمِ أَعْمَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ (نَاطِقٌ) فَلَا يُوَلَّى أَخْرَسُ، وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ (كَافٍ) لِلْقِيَامِ بِأُمُورِ الْقَضَاءِ، فَلَا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ، وَمُخْتَلُّ نَظَرٍ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِالْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ ضَعِيفَ النَّفْسِ جَبَانًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَكُونُ عَالِمًا دَيِّنًا وَنَفْسُهُ ضَعِيفَةٌ عَنْ التَّنْفِيذِ وَالْإِلْزَامِ وَالسَّطْوَةِ فَيُطْمَعُ فِي جَانِبِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلِلْوِلَايَةِ شَرْطَانِ، الْعِلْمُ بِأَحْكَامِهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا وَتَرْكِ مَفَاسِدِهَا، فَإِذَا فُقِدَ الشَّرْطَانِ حَرُمَتْ الْوِلَايَةُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا لَا تَتَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَلِينَ مَالَ يَتِيمٍ» وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الشَّرْطَ خَارِجًا بِقَوْلِهِ (مُجْتَهِدٌ) فَلَا يُوَلَّى الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا الْمُقَلِّدِ، وَهُوَ مَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ صَاحِبِهِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِغَوَامِضِهِ، وَقَاصِرٌ عَنْ تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى فَلِلْقَضَاءِ أَوْلَى.

تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ إسْلَامٌ وَتَكْلِيفٌ. وَكَذَا مَا بَعْدَهُمَا فَيَأْتِي بِالْمَصْدَرِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِسْلَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُمَا لَا الشَّخْصُ نَفْسُهُ، أَوْ أَنْ يَقُولَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا إلَخْ بِنَصْبِ الْجَمِيعِ عَلَى خَبَرِ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ كَقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا (وَهُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ آيَاتِهَا وَلَا أَحَادِيثِهَا الْمُتَعَلِّقَاتِ بِهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. وَآيُ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَعَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ عَدَدَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ خَمْسُمِائَةٍ كَعَدَدِ الْآيِ، وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَمَا تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوِهِمَا، وَالثَّانِي بِأَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ، لَا تَكَادُ تَخْلُو عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَأَدَبٍ شَرْعِيٍّ وَسِيَاسَةٍ دِينِيَّةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ.

وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْخَفَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ عَنْ الْمَوَاعِظِ وَالْقَصَصِ (وَ) يَعْرِفُ (خَاصَّهُ وَعَامَّهُ) بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ نَظَرًا لِمَا، وَالْخَاصُّ خِلَافُ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَيَعْرِفُ الْعَامَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَالْخَاصَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَمُطْلَقَهُ وَمُقَيَّدَهُ (وَمُجْمَلَهُ) وَهُوَ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ (وَمُبَيَّنَهُ) وَهُوَ الْمُتَّضِحُ دَلَالَتَهُ وَيَعْرِفُ نَصَّهُ وَظَاهِرَهُ (وَنَاسِخَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>