أَوْ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ اُسْتُحِبَّ إجَابَتُهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ.
ــ
[مغني المحتاج]
التَّصَرُّفِ.
وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ إجَابَةُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي شَرَعَ فِيمَا يُسَنُّ لَهُ فِيهِ الْإِجَابَةُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ (أَوْ) سَأَلَ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ (أَنْ يَكْتُبَ لَهُ) فِي قِرْطَاسٍ أَحْضَرَهُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (مَحْضَرًا بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، أَوْ) أَنْ يَكْتُبَ لَهُ (سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ) بِهِ (اُسْتُحِبَّ) لِلْقَاضِي (إجَابَتُهُ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُذَكِّرٌ (وَقِيلَ تَجِبُ) كَالْإِشْهَادِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُثْبِتُ حَقًّا بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ وَالْوُقُوفُ وَغَيْرُهُمَا، نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَتْ الْحُكُومَةُ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَجَبَ التَّسْجِيلُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَشُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَالْمُدَّعِي فِي اسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ لِأَلْفَاظِ الْحُكْمِ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي التَّسْجِيلَاتِ مَرَاتِبُ؛ أَدْنَاهَا الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: ثُبُوتُ اعْتِرَافٍ مَثَلًا بِجَرَيَانِ الْبَيْعِ، وَثُبُوتُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَثُبُوتُ نَفْسِ الْجَرَيَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ صِحَّةُ الدَّعْوَى وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ سَمِعْتُ الْبَيِّنَةَ وَقَبِلْتُهَا، وَلَا إلْزَامَ فِي ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ إلْزَامٌ، وَأَعْلَاهَا الثُّبُوتُ مَعَ الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ أَنْوَاعٌ سِتَّةٌ: الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَثَلًا، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَأَدْنَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ هَذَا السَّادِسُ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حُكْمًا بِتَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ، وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ حَاكِمٍ آخَرَ إلَى النَّظَرِ فِيهَا وَجَوَازُ النَّقْلِ فِي الْبَلَدِ، وَأَعْلَاهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ، أَعْنِي الْأَوَّلَيْنِ.
وَأَمَّا هَذَانِ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ، بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ، فَفِي شَيْءٍ يَكُونُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَعْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ، وَفِي شَيْءٍ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَإِذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِيهَا وَحَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا كَانَ حُكْمُهُ بِهَا أَعْلَى مِنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجَبِ. مِثَالُهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَالشَّافِعِيُّ يَرَى صِحَّتَهُ، وَالْحَنَفِيُّ يَرَى فَسَادَهُ، فَإِذَا حَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ كَانَ حُكْمُهُ بِهَا أَعْلَى مِنْ حُكْمِهِ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْأَوَّلِ حُكْمٌ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ قَصْدًا، وَفِي الثَّانِي يَكُونُ حُكْمُهُ بِهَا ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ فِي الثَّانِي إنَّمَا حَكَمَ قَصْدًا بِتَرَتُّبِ أَثَرِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ، وَاسْتَتْبَعَ هَذَا الْحُكْمَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، وَمِثْلُ هَذَا تَعْلِيقُ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ عَلَى نِكَاحِهَا، فَالشَّافِعِيُّ يَرَى بُطْلَانَهُ، وَالْمَالِكِيُّ يَرَى صِحَّتَهُ، فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ مَالِكِيٌّ صَحَّ، وَاسْتَتْبَعَ حُكْمُهُ بِهِ الْحُكْمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ؛ وَهُوَ النِّكَاحُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَوَجِّهًا إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَصْدًا لَا ضِمْنًا فَيَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَمْ يُوجَدْ، فَهُوَ حُكْمٌ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute