للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَضَاءُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا.

ــ

[مغني المحتاج]

وَاقْتَصَرَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ نَفْسِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَقِيلَ: لَا يُنْقَضُ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ يَمِيلُ إلَيْهِ، وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَاسِدُ أَنْ يُسْتَحْسَنَ شَيْءٌ لِأَمْرٍ يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ أَوْ لِعَادَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، أَوْ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرُمُ مُتَابَعَتُهُ. أَمَّا إذَا اُسْتُحْسِنَ الشَّيْءُ لِدَلِيلٍ يَقُومُ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَيَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَلَا يُنْقَضُ، وَلَوْ قَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقٍ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ كَمُعْظَمِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا.

تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تُنْقَضُ، وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي.

(وَالْقَضَاءُ) فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، فَلَا يُحِلُّ هَذَا الْحُكْمُ حَرَامًا وَلَا عَكْسَهُ، فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ لَمْ يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ الْحِلُّ بَاطِنًا، سَوَاءٌ الْمَالُ وَغَيْرُهُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعَ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ نِكَاحًا لَمْ يَحِلَّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَالْهَرَبُ مَا أَمْكَنَهَا. فَإِنْ أُكْرِهَتْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَاهُ، وَحَمَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا رُبِطَتْ وَإِلَّا فَالْوَطْءُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحِلَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَفِي حَدِّهِ بِالْوَطْءِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقْرِي عَدَمُ الْحَدِّ: لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ، فَيَكُونُ وَطْؤُهُ وَطْئًا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ وَقَصَدَهَا دَفَعَتْهُ كَالصَّائِلِ عَلَى الْبُضْعِ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّهُ مِمَّنْ يَرَى الْإِبَاحَةَ، فَكَيْفَ يَسُوغُ دَفْعُهُ وَقَتْلُهُ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلدَّفْعِ وَالْمُوجِبَ لَهُ انْتِهَاكُ الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَالَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ عَلَى بُضْعِ امْرَأَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دَفْعُهُ بَلْ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنًا إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ وَيَبْقَى التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا لَا النَّفَقَةُ لِلْحَيْلُولَةِ، وَلَوْ نَكَحَتْ آخَرَ فَوَطِئَهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ فَشُبْهَةٌ، وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَوْ عَالِمًا أَوْ نَكَحَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَوَطِئَ فَكَذَا فِي الْأَشْبَهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ صَادِقٍ فَيَنْفُذُ الْحُكْمُ فِيهِ بَاطِنًا أَيْضًا قَطْعًا إنْ كَانَ فِي مَحِلِّ اتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>