وَإِذَا جَلَسَا فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ، وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي.
فَإِذَا ادَّعَى طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ،
ــ
[مغني المحتاج]
عَلِيٌّ، فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيَا شُرَيْحًا، فَلَمَّا رَأَى الْقَاضِي عَلِيًّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ وَجَلَسَ شُرَيْحٌ أَمَامَهُ إلَى جَنْبِ النَّصْرَانِيِّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي ذَهَبَتْ مِنِّي مُنْذُ زَمَانٍ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيٌّ، فَقَالَ مَا أُكَذِّبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الدِّرْعُ دِرْعِي؟ . فَقَالَ شُرَيْحٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ شُرَيْحٌ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنِّي أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَأَيْتُهُ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَيُشْبِهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْتَ الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ.
تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّمْيِيزِ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ الْأَغْلَبِيَّةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَصَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِالْجَوَازِ، وَعِبَارَتُهُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ شُهْبَةَ عَنْهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْلِمَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُرْتَدًّا، فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ، وَتَعَجَّبَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ، فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لِرَفْعِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ.
(وَإِذَا) حَضَرَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ (جَلَسَا) أَوْ وَقَفَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ) عَنْهُمَا حَتَّى يَتَكَلَّمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَضَرَا لِيَتَكَلَّمَا (وَ) لَهُ (أَنْ يَقُولَ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُدَّعِيَ (لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي) مِنْكُمَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَابَاهُ وَلَهُ إنْ عَرَفَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَكَلَّمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْقَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ طَالَ سُكُوتُهُمَا بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ هَيْبَةٍ وَتَحْرِيرِ كَلَامٍ وَنَحْوِهَا قَالَ مَا خَطْبُكُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أُقِيمَا مِنْ مَكَانِهِمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَوْلَى بِالْخَصْمِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْقَاضِيَ فِي الْكَلَامِ.
(فَإِذَا) (ادَّعَى) أَحَدُهُمَا دَعْوًى صَحِيحَةً (طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ) وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَبِذَلِكَ تَنْفَصِلُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا تَقُولُ؟ أَوْ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ إنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُدَّعِي مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الذِّمِّيُّ اسْتِئْجَارَ الْأَمِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ أَوْ كَنْسِ بَيْتِهِ، وَكَدَعْوَى الْمَعْرُوفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute