للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلَحَ قُدِّمَ.

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ عَدْلٌ، وَقَدْ غَلِطَ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَأَصْلَحَ قُدِّمَ) قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْجَارِحِ لِأَنَّ مَعَهُ حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِجَرَيَانِ التَّوْبَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجَارِحُ.

تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إحْدَى مَسْأَلَتَيْنِ تُقَدَّمُ فِيهِمَا بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ، وَالثَّانِيَةُ: لَوْ جُرِحَ بِبَلَدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ لِآخَرَ فَعَدَّلَهُ اثْنَانِ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُ الْبَلَدَيْنِ، بَلْ لَوْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاخْتَلَفَ الزَّمَانُ فَكَذَلِكَ اهـ.

وَحَاصِلُ الْأَمْرِ تَقْدِيمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ مَنْ جَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ.

وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ شَهِدَ فِي أُخْرَى وَطَالَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ طَلَبَ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ، وَلَوْ عُدِّلَ فِي مَالٍ قَلِيلٍ هَلْ يَعْمَلُ بِذَلِكَ التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ فِي شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ؟ ، وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، فَمَنْ قُبِلَ فِي دِرْهَمٍ قُبِلَ فِي الْأَلْفِ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ.

وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يُعْمَلْ بِشَهَادَتِهِ إذَا عَادَ إلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ، إذْ لَيْسَ هَذَا قَضَاءٌ بِعِلْمٍ، بَلْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ.

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ) (قَوْلُ) الْخَصْمِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ عَارِفٌ بِالتَّعْدِيلِ أَهْلٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ (هُوَ) أَيْ الشَّاهِدُ (عَدْلٌ وَقَدْ غَلِطَ) عَلَيَّ فِي شَهَادَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِزْكَاءَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ.

تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي التَّعْدِيلِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا مُقَابِلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَقَوْلُهُ وَقَدْ غَلِطَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بَلْ اعْتِرَافُهُ بِعَدَالَتِهِ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَلِطَ.

خَاتِمَةٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ وَمَنْعَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي قَبْلَ التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا أَرْبَابَ تُهَمٍ أَوْ تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ لِخِفَّةِ عَقْلٍ وَجَدَهَا فِيهِمْ وَيَسْأَلُ كُلًّا مِنْهُمْ عَنْ زَمَانِ مَحِلِّ الشَّهَادَةِ عَامًا وَشَهْرًا وَيَوْمًا أَوْ غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً، وَعَمَّنْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ كُتِبَ بِحِبْرٍ أَوْ مِدَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِيُسْتَدَلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ إنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا فَيَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ، وَإِذَا أَجَابَهُ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِجَوَابِهِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ وَرَأَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَعَظَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَفْصِلُوا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَبْقَى مِنْ رِيبَةٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِزْكَاءِ وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>