للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَضْبِطُ.

وَلَا مُبَادِرٍ.

وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ

ــ

[مغني المحتاج]

لَا يَضْبِطُ) أَصْلًا أَوْ غَالِبًا لِعَدَمِ التَّوَثُّقِ بِقَوْلِهِ. أَمَّا مَنْ لَا يَضْبِطُ نَادِرًا وَالْأَغْلَبُ فِيهِ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ فَتُقْبَلُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ تَعَادَلَ غَلَطُهُ وَضَبْطُهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَمَنْ غَلَبَ غَلَطُهُ.

تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الرَّدِّ فِيمَنْ غَلَطُهُ وَضَبْطُهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ مُفَسَّرَةً، فَإِنْ فَسَّرَهَا وَبَيَّنَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَمَكَانِهِ قُبِلَتْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِمَامُ: وَالِاسْتِفْصَالُ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْقَاضِي غَفْلَةً فِي الشُّهُودِ حَتْمٌ، وَكَذَا إنْ رَابَهُ أَمْرٌ، وَإِذَا اسْتَفْصَلَهُمْ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُغَفَّلِينَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ الْمُطْلَقَةِ. قَالَ وَمُعْظَمُ شَهَادَةِ الْعَوَامّ يَشُوبُهَا غِرَّةٌ وَسَهْوٌ وَجَهْلٌ، وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فَيَتَعَيَّنُ الِاسْتِفْصَالُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ الِاسْتِفْصَالُ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ تَبَيُّنُ تَثَبُّتِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ.

(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مُبَادِرٍ) بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى جَزْمًا، وَكَذَا بَعْدَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلتُّهْمَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الذَّمِّ لَهُمْ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا تُسْمَعُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ.

تَنْبِيهٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اخْتَبَأَ وَجَلَسَ فِي زَاوِيَةٍ مُخْتَبِئًا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُخْبِرَ الْخَصْمَ أَنِّي شَهِدْت عَلَيْك لِئَلَّا يُبَادِرَ إلَى تَكْذِيبِهِ فَيَعْذُرُهُ الْقَاضِي وَلَوْ قَالَ رَجُلَانِ مَثَلًا لِثَالِثٍ: تَوَسَّطْ بَيْنَنَا لِنَتَحَاسَبَ وَلَا تَشْهَدْ عَلَيْنَا بِمَا جَرَى، فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَتَرْكُ الدُّخُولِ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ.

ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الْمُبَادِرِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ) مِنْ الِاحْتِسَابِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَجْرِ، سَوَاءٌ أَسَبَقَهَا دَعْوَى أَمْ لَا، كَانَتْ فِي غَيْبَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي شُرُوطِهَا السَّابِقَةِ (فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى) الْمُتَمَحِّضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهَا (وَفِيمَا لَهُ) أَيْ فِي الَّذِي لِلَّهِ (فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ) وَهُوَ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْآدَمِيِّ (كَطَلَاقٍ) بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَنَقَلَا عَنْ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ الْمَالِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا تُسْمَعُ لِثُبُوتِ الطَّلَاقِ دُونَ الْمَالِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالرَّاجِحُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّ آدَمِيٍّ دُونَ الْفِرَاقِ، (وَعِتْقٍ) غَيْرِ ضِمْنِيٍّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعِتْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ دُونَ الْعَبْدِ. أَمَّا الضِّمْنِيُّ كَمَنْ شَهِدَ لِشَخْصٍ بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ، وَالْعِتْقُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>