وَلَلْإِقْرَارِ بِهِ اثْنَانِ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَةٌ، وَلِمَالٍ وَعَقْدٍ مَالِيٍّ كَبَيْعٍ وَإِقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ وَحَقٍّ مَالِيٍّ كَخِيَارٍ وَأَجَلٍ: رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
ــ
[مغني المحتاج]
«أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ نَعَمْ» وَلِأَنَّهُ لَا يَقُومُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلَيْنِ، وَلِأَنَّ الزِّنَا مِنْ أَغْلَظِ الْفَوَاحِشِ فَغُلِّظَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالزِّنَا إذَا قَالُوا: حَانَتْ مِنَّا الْتِفَاتَةٌ، فَرَأَيْنَا أَوْ تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ فُسِّقُوا بِذَلِكَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ أَطْلَقُوا لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْسِرُوا إنْ تَيَسَّرَ، وَإِلَّا فَلَا يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، وَمَحَلُّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُمْ عَلَى مَعَاصِيهِمْ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ فَاقِدِهَا فِي فَرْجِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ أَوْ كَالْأُصْبُعِ فِي الْخَاتِمِ. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ اللِّوَاطُ فِي ذَلِكَ كَالزِّنَا، وَكَذَا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ كَالْجِمَاعِ وَنُقْصَانُ الْعُقُوبَةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَدَدِ كَمَا فِي زِنَا الْأَمَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ.
وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ وَطْءُ الشَّبَهِ إذَا قَصَدَ بِالدَّعْوَى بِهِ الْمَالَ أَوْ شَهِدَ بِهِ حِسْبَةً، وَمُقَدِّمَاتُ الزِّنَا كَقُبْلَةٍ وَمُعَانَقَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ. بَلْ الْأَوَّلُ بِقَيْدِهِ الْأَوَّلِ يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ، وَسَيَأْتِي، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا مِنْ قَوْلِ الشُّهُودِ: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ إلَخْ.
(وَ) يُشْتَرَطُ (لَلْإِقْرَارِ بِهِ) أَيْ الزِّنَا (اثْنَانِ) (فِي الْأَظْهَرِ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِيرِ وَمِثْلُهُ مَا شُبِّهَ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ (وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَةٌ) كَفِعْلِهِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَتَحَتَّمُ حَدُّهُ بِخِلَافِ الْمُعَايِنِ، فَلِذَلِكَ غُلِّظَتْ بَيِّنَتُهُ (وَ) يُشْتَرَطُ (لِمَالٍ) عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ (وَعَقْدٍ مَالِيٍّ) وَفَسْخِهِ (كَبَيْعٍ وَإِقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ) وَصُلْحٍ وَرَهْنٍ وَشُفْعَةٍ وَمُسَابَقَةٍ وَحُصُولِ السَّبَقِ (وَحَقٍّ مَالِيٍّ كَخِيَارٍ) لِمَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (وَأَجَلٍ) وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا (رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا} [النساء: ١٥] أَيْ فِيمَا يَقَعُ لَكُمْ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] فَكَانَ عُمُومُ الْأَشْخَاصِ فِيهِ مُسْتَلْزِمًا لِعُمُومِ الْأَحْوَالِ الْمُخْرِجِ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَرْبَعَةُ، وَمَا لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِي تَسْهِيلِ ذَلِكَ كَثْرَةُ جِهَاتِ الْمُدَايَنَاتِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا، وَفُهِمَ مِنْ التَّخْيِيرِ قَبُولُ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ الرَّجُلَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ غَيْرَ مُرَادٍ، وَالْخُنْثَى هُنَا كَالْأُنْثَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute