للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ، فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَقَالَ احْلِفْ مَعَهُ عَصَى، وَإِنْ كَانَ شُهُودٌ، فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ اثْنَيْنِ لَزِمَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ إنْ كَانَ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِلَّا فَلَا،

ــ

[مغني المحتاج]

الْمُتَحَمِّلُونَ كَثِيرِينَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ وَاضِحٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِيه اهـ.

وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْحُدُودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَإِنَّهَا ذُكِرَتْ فِي السِّيَرِ، وَلَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ كِتَابَةُ الصَّكِّ وَرَسْمُ الشَّهَادَةِ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَلَهُ أَخْذُهَا كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي تَحَمُّلِهِ إذَا دُعِيَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَأُجْرَةُ رَسْمِ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي أُجْرَةِ التَّحَمُّلِ وَلَهُ بَعْدَ كِتَابَتِهِ حَبْسُهُ عِنْدَهُ لِلْأُجْرَةِ كَالْقَصَّارِ فِي الثَّوْبِ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ حَرَامٌ لِلْآيَةِ: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: ٢٨٣] وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا (وَ) عَلَى هَذَا (إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ) بِأَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ سِوَاهُمَا أَوْ مَاتَ غَيْرُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ غَابَ، وَجَوَابُ إذَا قَوْلُهُ (لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ) إنْ دُعِيَا لَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ لِلْأَدَاءِ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ (فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (وَامْتَنَعَ الْآخَرُ) بِلَا عُذْرٍ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ أَمْ قَبْلَهُ (وَقَالَ) لِلْمُدَّعِي (احْلِفْ مَعَهُ عَصَى) وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى الْحُكْمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا يُفَوَّتُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ شَاهِدَا رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَقَالَا لَهُ: احْلِفْ عَلَى رَدِّهَا عَصَى (وَإِنْ كَانَ) فِي الْقَضِيَّةِ (شُهُودٌ) كَأَرْبَعَةٍ (فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَيْهِمْ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِالْبَعْضِ كَالْجِهَادِ، فَإِذَا قَامَ بِهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ سَقَطَ الْجُرْحُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْكُلُّ عَصَوْا، سَوَاءٌ طَلَبَهُمْ الْمُدَّعِي مُجْتَمَعِينَ أَمْ مُتَفَرِّقِينَ، وَالْمَدْعُوُّ أَوَّلًا أَعْظَمُهُمْ إثْمًا؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَمَا لَوْ أَجَابَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ أَعْظَمُهُمْ أَجْرًا (فَلَوْ طَلَبَ) الْمُدَّعِي الْأَدَاءَ (مِنْ اثْنَيْنِ) مِنْهُمْ بِأَعْيَانِهِمَا (لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّوَاكُلِ، وَالثَّانِي لَا كَالْمُتَحَمِّلِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ طَلَبَهُمَا لِتَحَمُّلِ أَمَانَةٍ وَهُنَا لِأَدَائِهَا، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا لَوْ طَلَبَهُ مِنْ وَاحِدٍ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إبَاءَ الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي اللُّزُومِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا عُلِمَتْ رَغْبَةُ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِامْتِنَاعِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْقَضِيَّةِ (إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ) الْأَدَاءُ (إنْ كَانَ فِيمَا) أَيْ فِي حَقٍّ (يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) هَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي الْمَطْلُوبُ إلَيْهِ يَرَى بِذَلِكَ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَرَى ذَلِكَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ امْرَأَتَانِ فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالْحُكْمِ فِيمَا ذَكَرَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَمَّا كَانَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ السَّابِقِ مُفَصَّلًا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>