للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ، وَالِاسْتِقْبَالُ.

وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ.

ــ

[مغني المحتاج]

عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَعْنَى الشَّرْطِ بِالْفَتْحِ. اهـ.

فَإِنَّ هَذَا مِنْ تَفَرُّدَاتِهِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمَانِعُ لُغَةً الْحَائِلُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ كَالْكَلَامِ فِيهَا عَمْدًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ الْمَاضِي أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا وَالرُّكْنُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَى مَوَانِعِهَا، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْعِقَادِهَا نَاسَبَ تَأَخُّرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا، وَبِكَيْفِيَّتِهَا، وَتَمْيِيزُ فَرَائِضِهَا مِنْ سُنَنِهَا فَلِمَ لَمْ يَعُدَّهَا؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ مُخْتَصٍّ بِالصَّلَاةِ، فَلَوْ جَهِلَ كَوْنَ أَصْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَاتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الطَّوَافِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَرْضًا أَوْ عَلِمَ فِيهَا فَرَائِضَ وَسُنَنًا وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ مَا فَعَلَهُ لِتَرْكِهِ مَعْرِفَةَ التَّمْيِيزِ الْوَاجِبَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ مِنْ الْعَامَّةِ فَرْضَ الصَّلَاةِ أَيْ: أَوْ غَيْرَهَا مِنْ سُنَنِهَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، أَيْ: وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ.

قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَتَقَيُّدُهُ بِالْعَامِّيِّ يُفْهِمُ أَنَّ الْعَالِمَ إنْ لَمْ يُمَيِّزْ بِقَصْدِهِ الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ نَفْلًا. اهـ.

بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ، وَلَوْ اعْتَقَدَ عَامِّيٌّ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ صَحَّتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ. أَوَّلُ الْخَمْسَةِ (مَعْرِفَةُ) دُخُولِ (الْوَقْتِ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا بِالِاجْتِهَادِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَدْلُولَ الْمَعْرِفَةِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ لِيَخْرُجَ الظَّنُّ: فَمَنْ صَلَّى بِدُونِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ (وَ) ثَانِيهَا (الِاسْتِقْبَالُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

(وَ) ثَالِثُهَا (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) عَنْ الْعُيُونِ، وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] [الْأَعْرَافُ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» (١) رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ: الْبَالِغُ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ فِي زَمَنِ حَيْضِهَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا بِخِمَارٍ، وَلَا غَيْرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا، وَيُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِهِمَا وَيُعِيدُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ وَالْإِتْمَامِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ مُرِيدَ التَّمَثُّلِ بَيْنَ يَدَيْ كَبِيرٍ يَتَجَمَّلُ بِالسَّتْرِ وَالتَّطْهِيرِ وَالْمُصَلِّي يُرِيدُ التَّمَثُّلَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ، فَالتَّجَمُّلُ لَهُ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَاغْتِسَالٍ.

وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُصُولُ الْحَاجَةِ. قَالَ: وَمِنْ الْأَغْرَاضِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّبْرِيدِ وَصِيَانَةُ الثَّوْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>