تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ وَقَذْفٍ.
وَإِنْ اسْتَحَقَّ عَيْنًا فَلَهُ أَخْذُهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً
ــ
[مغني المحتاج]
وَجَانِبُ الْمُنْكِرِ قَوِيٌّ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ قَوِيَّةٌ وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ؛؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ مُتَّهَمٌ فِي يَمِينِهِ بِالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْخُصُومَاتُ تَدُورُ عَلَى خَمْسَةٍ: الدَّعْوَى، وَالْجَوَابِ، وَالْيَمِينِ، وَالنُّكُولِ، وَالْبَيِّنَةِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْأُولَى. فَقَالَ: (تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ) (فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ، وَ) حَدِّ (قَذْفٍ) فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهَا بِاسْتِيفَائِهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَالِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَوْفَى بِدُونِ ذَلِكَ وَقَعَ الْمَوْقِعَ فِي الْقِصَاصِ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا سَبَقَ لِلْمُصَنَّفِ فِي بَابِهِ، نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ وَكَانَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: لَوْ انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الْقَوَدِ، لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: عِنْدَ قَاضٍ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلَى السَّيِّدُ يَسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى رَقِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا وَكَذَلِكَ الْمُحَكَّمُ إذَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ، وَكَذَا الْوَزِيرُ وَالْأَمِيرُ وَنَحْوُهُمَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَتَقْيِيدُهُ بِالْعُقُوبَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ كَعُيُوبِ النِّكَاحِ وَالْعُنَّةِ وَالْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْحُكْمِ فِيهَا مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَالدَّعْوَى عِنْدَهُ مَا خَرَجَ الْمَالُ عَنْ هَذَا إلَّا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِالْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَتْلُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ قَذْفُهُ، إذْ الْحَقُّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُقْتَلُ بِشَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى حِسْبَةٍ بَلْ فِي سَمَاعِهَا خِلَافٌ مَرَّ. ثَانِيَتُهُمَا: قَتْلُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَعْوَى؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَفَّقُ عَلَى طَلَبٍ، وَتَمْثِيلُهُ بِالْقِصَاصِ وَالْقَصْدِ يُفْهِمُ التَّصْوِيرَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَاضِي أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِلْمُدَّعِي، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِعْرَاضِ وَالدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ. نَعَمْ لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا وَأَرَادَ الْقَاذِفُ تَحْلِيفَهُ أَوْ تَحْلِيفَ وَارِثِهِ الطَّالِبِ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالُوا: وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ.
(وَإِنْ) (اسْتَحَقَّ) شَخْصٌ (عَيْنًا) تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ (فَلَهُ) أَوْ وَلِيِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (أَخْذُهَا) مُسْتَقِلًّا بِالْأَخْذِ بِلَا رَفْعٍ لِقَاضٍ وَبِلَا عِلْمِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ لِلضَّرُورَةِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) مِنْ أَخْذِهَا (فِتْنَةً) أَوْ ضَرَرًا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ عَيْنًا يُخْرِجُ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute