وَشَرْطُهُ مَا مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ، وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ لَا أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ فَلْيُزِرَّهُ، أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَمْ يَضُرَّ لِلشَّكِّ فِي الْبُطْلَانِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنَّ الْعَدَدَ لَوْ كَمَلَ بِخُنْثَى لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ، وَهُنَاكَ خُنْثَى زَائِدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَكَمَلَ الْعَدَدُ بِالْخُنْثَى لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْبُطْلَانِ.
(وَشَرْطُهُ) أَيْ: السَّاتِرِ (مَا) أَيْ: جَزَمَ (مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) لَا حَجْمِهَا فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَلَا مُهَلْهَلٌ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ وَلَا زُجَاجٌ يَحْكِي اللَّوْنَ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ. أَمَّا إدْرَاكُ الْحَجْمِ فَلَا يَضُرُّ لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأُولَى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَى عِبَارَتِهِ الظُّلْمَةُ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْإِدْرَاكِ، وَلَطْخُ الْعَوْرَةِ بِنَحْوِ حِبْرٍ كَحِنَّاءٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْتُهُ، إذْ الْكَلَامُ فِي السَّاتِرِ وَمَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا بَلْ غَيْرُ الظُّلْمَةِ يُسَمَّى مُغَيِّرًا (وَلَوْ) هُوَ (طِينٌ) أَوْ حَشِيشٌ أَوْ وَرَقٌ (وَمَاءٌ كَدِرٌ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَاءٍ صَافٍ مُتَرَاكِمٍ بِخُضْرَةٍ لَمَنَعَ مَا ذَكَرَ الْإِدْرَاكَ، وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ يُمْكِنَهُ السُّجُودُ فِيهِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَيَسْجُدَ عَلَى الشَّطِّ لَمْ يَلْزَمْهُ: أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ) وَنَحْوِهِ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى السَّتْرِ، وَالثَّانِي لَا لِلْمَشَقَّةِ وَالتَّلْوِيثِ (وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهُ) أَيْ: السَّاتِرِ (وَجَوَانِبِهِ) لِلْعَوْرَةِ (لَا أَسْفَلِهِ) لَهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي امْرَأَةً، فَسَتْرٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ لِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ " أَعْلَاهُ " وَجَوَانِبِهِ وَأَسْفَلِهِ، وَلَوْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَفْعُولِهِ لَأَنَّثَهَا، فَقَالَ: وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهَا إلَخْ (فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، سَوَاءٌ كَانَ الرَّائِي لَهَا هُوَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ الْغَيْرِ الْمَشْهُورَةِ أَمْ غَيْرَهُ (مِنْ جَيْبِهِ) أَيْ: طَوْقِ قَمِيصِهِ لِسَعَتِهِ (فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ) السَّتْرُ بِهَذَا الْقَمِيصِ (فَلْيَزُرَّهُ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْأَحْسَنِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا (أَوْ يَشُدَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ فِي الْأَحْسَنِ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ (وَسَطَهُ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا حَتَّى لَا تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْهُ، وَلَوْ سَتَرَ بِلِحْيَتِهِ أَوْ بِشَعْرِ رَأْسِهِ كَفَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ ثُمَّ تَبْطُلُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُفْسِدِ، وَفَائِدَتُهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَفِيمَا إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْجَيْبُ هُوَ الْمَنْفَذُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الرَّأْسُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ ذَيْلِهِ كَأَنْ كَانَ فِي عُلْوٍ وَالرَّائِي فِي سُفْلٍ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ، وَمَعْنَى رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُئِيَتْ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ وَقَفَ مَثَلًا فِي خَابِيَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ ضَيِّقَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute