للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجُوزُ الْبَتُّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ.

وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَالثَّانِي: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ.

تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْعَاقِلِ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا حَلَفَ السَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ كَالْبَهِيمَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ أَوْ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ السَّيِّدِ فِي كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ فَيَحْلِفُ قَطْعًا (قُلْتُ:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك) عَلَى زَرْعِي مَثَلًا فَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهَا وَضَمَانُ جِنَايَتِهَا بِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحَالِفِ.

تَنْبِيهٌ مَا أَطْلَقَهُ مِنْ حَلِفِ الْمَالِكِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الدَّعْوَى وَالْيَمِينَ عَلَيْهِ دُونَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِ أَجِيرٍ فَالدَّعْوَى وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْقَطْعِ فَإِنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ الْيَقِينُ (وَ) حِينَئِذٍ (يَجُوزُ الْبَتُّ) فِي الْحَلِفِ (بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ) فِيهِ الْحَالِفُ (خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ) مَثَلًا إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الظَّنِّ، وَيُقَالُ: لَا يَحْصُلُ الظَّنُّ إلَّا إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْحَلِفِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ، وَلَكِنْ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ حَتَّى يَتَذَكَّرَ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ لَا يُتَصَوَّرُ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ بِخِلَافِ خَطِّ الْأَبِ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْحِصَارُ ذَلِكَ فِي خَطِّهِ وَخَطِّ أَبِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِهَذَا زِدْتُ مَثَلًا فِي كَلَامِهِ، إذْ نُكُولُ خَصْمِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ قَالَ: كَاعْتِمَادِ خَطِّهِ إلَخْ كَانَ أَوْلَى.

(وَتُعْتَبَرُ) فِي الْحَلِفِ (نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ) لِلْخَصْمِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقَاضِي فِي مَذْهَبِهِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَحُمِلَ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِحْلَافِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ، إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَقْصِدُ، فَإِذَا ادَّعَى حَنَفِيٌّ عَلَى شَافِعِيٍّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَالْقَاضِي يَعْتَقِدُ إثْبَاتَهَا، فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا عَلَيْهِ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْقَاضِي.

تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ: مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ بَدَلَ: الْقَاضِي لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَالْمُحَكَّمَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحِلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>