للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا كِنَايَتُهُ، وَهِيَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، لَا سُلْطَانَ، لَا سَبِيلَ، لَا خِدْمَةَ، أَنْتَ سَائِبَةٌ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَالسُّنَّةِ مُنَكَّرَيْنِ، وَيَسْتَوِي فِي أَلْفَاظِهِمَا الْهَازِلُ وَاللَّاعِبُ؛ لِأَنَّ هَزْلَهُمَا جِدٌّ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ صَرِيحٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَالثَّانِي: هُوَ كِنَايَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] أَيْ مِنْ الْأَسْرِ، وَقِيلَ بِاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» .

تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمَا اُشْتُقَّ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْفَكِّ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتَ تَحْرِيرٌ أَوْ إعْتَاقٌ أَوْ فَكٌّ كَانَ كِنَايَةً كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَلَاقٌ.

فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ قَبْلَ إرْقَاقِهَا حُرَّةَ فَسُمِّيَتْ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا حُرَّةُ عَتَقَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ لَهَا بِاسْمِهَا الْقَدِيمِ، فَإِنْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْحَالِ حُرَّةَ لَمْ تُعْتَقْ إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَكْسِ عَنْهُ إذَا طَالَبَهُ الْمُكَّاسُ بِهِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ لَمْ يُعْتَقْ بَاطِنًا، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَا ظَاهِرًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ يَحِلُّهَا مِنْ وَثَاقٍ. ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَهَا مِنْ الْوِثَاقِ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ إخْبَارٌ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ، وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوِثَاقِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يُقَالَ لَهُ أَمَتُك قَحْبَةٌ، فَيَقُولُ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الصِّفَةِ لَا الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَاحَمَتْهُ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتُهُ لَمْ تُعْتَقْ، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَتَهُ بِذَلِكَ تَوَرُّعًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اُفْرُغْ مِنْ عَمَلِكَ وَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ أَرَدْتُ حُرًّا مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ، وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا، وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ الْإِنْشَاءِ وَالدُّعَاءِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ مِثْلُ هَذَا الْعَبْدِ، وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُعْتَقْ ذَلِكَ الْعَبْدُ كَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّمَا يُعْتَقُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لَا إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِضَارِبِ عَبْدِهِ: عَبْدُ غَيْرِكَ حُرٌّ مِثْلُك لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ (وَلَا يَحْتَاجُ) الصَّرِيحُ (إلَى نِيَّةٍ) لِإِيقَاعِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْوِيَتِهِ بِالنِّيَّةِ وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جَدٌّ كَمَا مَرَّ فَيَقَعُ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ. أَمَّا قَصْدُ لَفْظِ الصَّرِيحِ لِمَعْنَاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ أَعْجَمِيٌّ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ احْتِيَاجِ الصَّرِيحِ لِنِيَّةِ مَعْلُومٍ مِنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا) أَيْ النِّيَّةِ (كِنَايَتُهُ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ الْعِتْقِ، وَإِنْ احْتَفَتْ بِهَا قَرِينَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الْعِتْقِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ (وَهِيَ) أَيْ الْكِنَايَةُ (لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، لَا سُلْطَانَ) لِي عَلَيْكَ، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ، وَهِيَ (لَا سَبِيلَ، لَا خِدْمَةَ) لَا يَدَ لَا أَسْرَ وَنَحْوُهَا (أَنْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ (سَائِبَةٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>