إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
عَنْ أَبِي مُوسَى «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْتِي السَّبَايَا وَنُحِبُّ أَثْمَانَهُنَّ فَمَا تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسْمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» فَفِي قَوْلِهِمْ وَنُحِبُّ أَثْمَانَهُنَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُنَّ بِالِاسْتِيلَادِ مُمْتَنِعٌ، وَخَبَرُهُمَا «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ " رَبَّهَا " أَيْ سَيِّدَهَا، فَأَقَامَ الْوَلَدَ مَقَامَ أَبِيهِ وَأَبُوهُ حُرٌّ فَكَذَا هُوَ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمْ يَتْرُكْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً» ، قَالَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ أُمَّ إبْرَاهِيمَ رَقِيقَةً وَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ قِيلَ: تَتَوَقَّفُ دَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُ حَيَاتِهَا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثَانِيهمَا: كَوْنُهُ لَمْ يُنْجِزْ عِتْقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أُجِيبَ بِاسْتِمْرَارِ الْأَصْلِ (إذَا) (أَحْبَلَ) رَجُلٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ (أَمَتَهُ) أَيْ بِأَنْ عَلَقَتْ مِنْهُ وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا وَأَحْبَلَهَا الْكَافِرُ حَالَ إسْلَامِهِ قَبْلَ بَيْعِهَا عَلَيْهِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ كَأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِاسْتِدْخَالِهَا ذَكَرَهُ وَلَوْ كَانَ نَائِمًا، أَوْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ) كَمُضْغَةٍ ظَهَرَ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَجَوَابُ إذَا قَوْلُهُ: (عَتَقَتْ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي (بِمَوْتِ السَّيِّدِ) لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا أَيْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ - وَلَوْ كَانَ سَقْطًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا حُرٌّ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْبَلَ أَمَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ رَقِيقًا قَبْلَ الْعَجْزِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ حُرًّا لَمْ تَعْتِقْ بِمَوْتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا أَمَةُ الْمُبَعَّضِ فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِاسْتِيلَادِهِ لَهَا أَوْ لَا؟ حَكَى الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ فِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ قَوْلَيْنِ، وَأَيَّدَ كَوْنَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِأَنَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ لِلْأَبِ الْمُبَعَّضِ بِالْوَلَدِ الْمُنْعَقِدِ مِنْهُ فِي أَمَةٍ فَرْعُهَا. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُبَعَّضَ لَا تَثْبُتُ لَهُ شُبْهَةُ الْإِعْفَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِهِ الرَّقِيقِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُبَعَّضِ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اسْتَقَلَّ بِمِلْكِهَا.
ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي أَمَةِ الْمُبَعَّضِ الَّتِي مَلَكَهَا بِكَسْبِ الْحُرِّيَّةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَرَى شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي النِّكَاحِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ النُّفُوذِ، وَأَحَالَ عَلَيْهِ هُنَا، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِيلَادِهِمَا أَيْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُبَعَّضِ أَمَتَهُمَا، فَإِيلَادُ أَمَةِ وَلَدِهِمَا بِالْأَوْلَى، وَنَقَلَ ابْنُ شُهْبَةَ نُفُوذَ اسْتِيلَادِهِ عَنْ النَّصِّ، وَبِقَوْلِنَا: كَافِرٌ أَصْلِيٌّ الْمُرْتَدُّ، فَإِنَّ إيلَادَهُ مَوْقُوفٌ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَ نُفُوذُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَبِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَمَتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ، وَسَتَأْتِي، وَيَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ الْأَمَةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ؛ إنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يُجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْتَاقِهَا، إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُ الْعِتْقِ بِذَلِكَ، لَا أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْبَلَ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَمْلِكُ بَعْضَهَا أَنَّهَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute