قُلْت: الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ بَطَلَتْ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ،
ــ
[مغني المحتاج]
فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا التَّقَدُّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِرُكْنٍ (قُلْت: الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ) أَيْ الْعَوْدِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ آكَدُ مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ، وَلِهَذَا سَقَطَ بِهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا ظَنَّ الْمَسْبُوقُ سَلَامَ الْإِمَامِ فَقَامَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا فَعَلَ فِعْلًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَشْكِلِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ هُنَا لِذَلِكَ. أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ التَّرْكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبَهُ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِتَحْرِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْعَامِدَ انْتَقَلَ إلَى وَاجِبٍ. وَهُوَ الْقِيَامُ، فَخُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ بِخِلَافِ النَّاسِي، فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا كَانَ قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْمُتَابَعَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ، وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ لِتِلْكَ السُّنَّةِ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَلَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ نَاسِيًا تُخُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِيمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا بِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ثُمَّ فَيُقَيَّدُ فَرْقُ الزَّرْكَشِيّ بِذَلِكَ، أَوْ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ، وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ لِلثَّالِثَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ جَازَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ كَتَعَمُّدِ الْقِيَامِ، وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ (وَلَوْ تَذَكَّرَ) الْمُصَلِّي التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (قَبْلَ انْتِصَابِهِ) أَيْ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ مُعْتَدِلًا (عَادَ لِلتَّشَهُّدِ) الَّذِي نَسِيَهُ أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِفَرْضٍ (وَيَسْجُدُ) لِلسَّهْوِ (إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلٍ غَيَّرَ بِهِ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ أَتَى بِهِ عَمْدًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا سَيَأْتِي، فَالسُّجُودُ لِلنُّهُوضِ مَعَ الْعَوْدِ، لَا لِلنُّهُوضِ فَقَطْ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لِلنُّهُوضِ لَا لِلْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا فَفَارَقَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ أَنَّ هَذَا قِيَامٌ لَا عَوْدَ فِيهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ عَمْدَ هَذَا الْقِيَامِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ بِخِلَافِ مَا قَالَاهُ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ مُبْطِلٌ. أَمَّا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ لِقِلَّةِ مَا فَعَلَهُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَطْلَقَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحَهُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى (وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا) أَيْ قَصَدَ تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ (فَعَادَ) لَهُ عَمْدًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (إنْ كَانَ) فِيهَا (إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) مِنْ الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا مَا لَوْ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا جَبَرَهُ بِالسُّجُودِ فَكَانَ مُبْطِلًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَارٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute