بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَتَحْرُمُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ
وَتُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ. قُلْت: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
ابْنُ سُرَيْجٍ فَجَعَلَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لِحَدِيثِ عَمْرٍو الْمُتَقَدِّمِ (بَلْ هِيَ) أَيْ سَجْدَةُ (ص) (سَجْدَةُ شُكْرٍ) لِتَوْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَيْ لِقَبُولِهَا، وَالتِّلَاوَةُ سَبَبٌ لِتَذَكُّرِ ذَلِكَ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَقَرَأَ (ص) ، فَلَمَّا هَمَّ بِالسُّجُودِ نَشَزْنَا أَيْ تَهَيَّأْنَا لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا رَآنَا قَالَ: إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَتِهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ (وَتَحْرُمُ فِيهَا) وَتُبْطِلُهَا (عَلَى الْأَصَحِّ) لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَتَعَمَّدَهُ. أَمَّا الْجَاهِلُ أَوْ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِعُذْرِهِ، لَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ سَجَدَهَا إمَامُهُ وَكَانَ يَعْتَقِدُهَا كَحَنَفِيٍّ جَازَ لَهُ مُفَارَقَتُهُ وَانْتِظَارُهُ قَائِمًا كَمَا يَنْتَظِرُهُ قَاعِدًا إذَا قَامَ إمَامُهُ لِرَكْعَةٍ خَامِسَةٍ سَهْوًا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إذَا انْتَظَرَهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يُلَاقِي التَّصْوِيرَ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَمْ يَسْهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي فِعْلٍ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ فَلَا يَسْجُدُ لِانْتِظَارِهِ، وَإِنْ سَجَدَ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ. وَاسْتَشْكَلَ انْتِظَارُهُ مَعَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ، وَعِنْدَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ بَطَلَتْ. وَأَجَبْتُ عَنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
وَالثَّانِي لَا تَحْرُمُ فِيهَا وَلَا تُبْطِلُهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالتِّلَاوَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ سُجُودِ الشُّكْرِ.
فَائِدَةٌ: الْمَشْهُورُ فِي (ص) وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لَهَا، وَتُقْرَأُ (ص) بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مَعَ التَّنْوِينِ وَإِذَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ كُتِبَتْ حَرْفًا وَاحِدًا. وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا كَذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ اسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ
(وَتُسَنُّ) سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ (لِلْقَارِئِ) حَيْثُ تُشْرَعُ لَهُ الْقِرَاءَةُ (وَالْمُسْتَمِعِ) أَيْ قَاصِدِ السَّمَاعِ حَيْثُ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِمَاعُ، وَلَوْ كَانَ الْقَارِئُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ امْرَأَةً وَالْمُسْتَمِعُ رَجُلًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ كَافِرًا لَا لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ وَسَكْرَانَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَهُمَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا لِنَائِمٍ وَسَاهٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِمَا التِّلَاوَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي السُّجُودُ لِقِرَاءَةِ مَلَكٍ وَجِنِّيٍّ لَا لِقِرَاءَةِ دُرَّةٍ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ. قَالَ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَلَوْ قَرَأَ أَوْ سَمِعَ أَوَّلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ آيَةَ سَجْدَةٍ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَسْجُدُ، لَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ فَوَاتِ التَّحِيَّةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا (وَتَتَأَكَّدُ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَمِعِ (بِسُجُودِ الْقَارِئِ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْمُسْتَمِعِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْجُدْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ عَلَى وَجْهٍ وَلَا يَقْتَدِي فِي سُجُودِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا تَرْتَبِطُ بِهِ فَلَهُ الرَّفْعُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ مَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْقَاضِي الْبَغَوِيِّ جَوَازُهُ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ (قُلْت: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ السَّمَاعَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لَكِنَّهَا لِلْمُسْتَمِعِ آكَدُ مِنْهُ لِلسَّامِعِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ كَأَنْ قَرَأَهَا فِي حَالِ رُكُوعِهِ أَوْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute