وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ، وَلَوْ كَانَا بِفَضَاءٍ شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ
ــ
[مغني المحتاج]
وَالتَّوَادُّ وَالتَّعَاضُدُ، إذْ لَوْ اكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِالِانْتِقَالَاتِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ عَطَاءٌ لَبَطَلَ السَّعْيُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالدُّعَاءُ إلَى الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي فِي سُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا عَلِمَ بِانْتِقَالَاتِهِ. وَلِاجْتِمَاعِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فِي فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ) بَيْنَهُمَا فِيهِ (وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ) كَبِئْرٍ وَسَطْحٍ وَمَنَارَةٍ تُنَفِّذُ أَبْوَابُهَا، وَإِنْ أُغْلِقَتْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بَابٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ، فَالْمُجْتَمِعُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مُؤَدُّونَ لِشِعَارِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيرَ لِلْأَبْوَابِ يُخْرِجُهَا عَنْ الِاجْتِمَاعِ، فَإِنْ لَمْ تَتَنَافَذْ أَبْوَابُهَا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَا يُعَدُّ الْجَامِعُ بِهَا مَسْجِدًا وَاحِدًا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فَيَضُرُّ الشُّبَّاكُ، فَلَوْ وَقَفَ مِنْ وَرَائِهِ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ ضَرَّ وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ الْحِصْنِيُّ: وَهُوَ سَهْلٌ، وَالْمَنْقُولُ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَضُرُّ أَيْ أَخْذًا مِنْ شَرْطِهِ تَنَافُذُ أَبْنِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَعُلْوُ الْمَسْجِدِ كَسُفْلِهِ: فَهُمَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَكَذَا رَحْبَتُهُ مَعَهُ وَهِيَ مَا كَانَ خَارِجَهُ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَمْ لَا. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ انْفَصَلَتْ فَكَمَسْجِدٍ آخَرَ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ يَكُونَانِ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا، وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ اهـ.
وَمَعَ هَذَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الْآتِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا فَيَضُرَّ أَوْ حَادِثًا فَلَا، وَسَيُبَيَّنُ عَنْ قُرْبٍ، وَتَوَقَّفَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْرِ أُوقِفَتْ مَسْجِدًا أَمْ لَا هَلْ تَكُونُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لَهَا حُكْمَ مَتْبُوعِهَا، أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَقْفِ، وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَخَرَجَ بِالرَّحْبَةِ الْحَرِيمُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ وَطَرْحِ الْقِمَامَاتِ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ تَمْيِيزُ الرَّحْبَةِ مِنْ الْحَرِيمِ لِتُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ الَّتِي يَنْفُذُ أَبْوَابُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَبْنِيَةُ وَانْفَرَدَ كُلُّ مَسْجِدٍ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَجَمَاعَةٍ. نَعَمْ إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ قَدِيمٌ بِأَنْ حُفِرَ قَبْلَ حُدُوثِهَا فَلَا تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ، بَلْ تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. أَمَّا النَّهْرُ الطَّارِئُ الَّذِي حُفِرَ بَعْدَ حُدُوثِهَا فَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَكَالنَّهْرِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِيهِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ (وَلَوْ كَانَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (بِفَضَاءٍ) أَيْ مَكَان وَاسِعٍ كَصَحْرَاءَ (شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، هُوَ شِبْرَانِ لِقُرْبِ ذَلِكَ وَبُعْدِ مَا وَرَاءَهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute