إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ.
وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ
ــ
[مغني المحتاج]
السَّفَرِ غَالِبًا، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ لِلْمُقِيمِ. وَالْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: ١٠١] [النِّسَاءَ] الْآيَةَ. قَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْت لِعُمَرَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] [النِّسَاءَ] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» (١) ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ أَخْبَارٌ تَأْتِي. وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ أَهَمَّ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ: (إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ) فَلَا تُقْصَرُ الصُّبْحُ وَلَا الْمَغْرِبُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الصُّبْحَ لَوْ قُصِرَتْ لَمْ تَكُنْ شَفْعًا فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَالْمَغْرِبُ لَا يُمْكِنُ قَصْرُهَا إلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وِتْرًا وَلَا إلَى رَكْعَةٍ لِخُرُوجِهَا بِذَلِكَ عَنْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرُّبَاعِيَّةُ مَكْتُوبَةً فَلَا تُقْصَرُ الْمَنْذُورَةُ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلَا النَّافِلَةُ كَأَنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ مَثَلًا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ) فَلَا تُقْصَرُ فَائِتَةُ الْحَضَرِ فِي السَّفَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ.
وَأَمَّا فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَيْضًا (الطَّوِيلِ) فَلَا تُقْصَرُ فِي الْقَصِيرِ وَالْمَشْكُوكِ فِي طُولِهِ فِي الْأَمْنِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِي الْخَوْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» (٢) ، فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى (الْمُبَاحِ) أَيْ الْجَائِزِ لَا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِبًا كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ، أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ فَلَا قَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ خَرَجَ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ، أَوْ لِتَنْفِيذِ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالْمُبَاحِ. وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَصَرْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَأَتْمَمْتُ بِضَمِّهَا، وَأَفْطَرْتَ بِفَتْحِهَا وَصُمْتُ بِضَمِّهَا. قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ» (٣) أَيْ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَمَا ضَبَطْت بِهِ الْحَدِيثَ قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ عَكْسُ الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ. ثُمَّ بَيَّنَ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: مُؤَدَّاةٍ فَقَالَ (لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ) أَيْ لَا تُقْصَرُ إذَا قُضِيَتْ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ تَامَّةً، وَكَذَا لَا تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ فَائِتَةٌ مَشْكُوكٌ فِي أَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ.
(وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ) الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ (فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute