وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ.
وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ، وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جُمْلَةُ أَعْمَالٍ وَهِيَ كَمَا تَكُونُ أَذْكَارًا تَكُونُ غَيْرَ أَذْكَارٍ.
(وَ) الْخَامِسُ (إسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ) أَيْ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِأَرْكَانِهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا عَدَدُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا وَعْظُهُمْ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا كَمَا مَرَّ كَالْعَامِّيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَقَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ أَرْبَعِينَ: أَيْ بِالْإِمَامِ، فَلَوْ كَانُوا صُمًّا أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ تَصِحَّ كَبُعْدِهِمْ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعِيدٌ. بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ بِالْإِنْصَاتِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْخَطِيبُ مَعْنَى أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ كَمَنْ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ.
(وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ) فِيهَا لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعِينَ بَلْ الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ (وَيُسَنُّ) لِلْقَوْمِ السَّامِعِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِمْ بِوُجُوهِهِمْ لِأَنَّهُ الْأَدَبُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَوْجِيهِهِمْ الْقِبْلَةَ، وَ (الْإِنْصَاتُ) لَهُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] [الْأَعْرَافَ] ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْخُطْبَةِ، وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ لِلْحَاضِرِينَ الْكَلَامُ فِيهَا لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» (١) وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ فِيهَا وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ قَطْعًا وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ. فَأَمَّا إذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إنْسَانٍ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ قَطْعًا بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إنْ أَغْنَتْ، وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَلَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا لِلدَّاخِلِ مَا لَمْ يَأْخُذْ لَهُ مَكَانًا وَيَسْتَقِرَّ فِيهِ.
وَلَوْ سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعٍ لِلْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ السَّلَامَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ الرَّدُّ وَالسَّلَامُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ: إنْ قُلْنَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ كُرِهَ الرَّدُّ اهـ.
وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ، وَيُسَنُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ.
وَيَجِبُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرِ وَجُلُوسِهِ، وَلَا يُبَاحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute